من حق أي سوري أن يقلق على مصيره اليوم، فقد أصبح يشعر بنفسه عند مشاهدته لأية محطة فضائية بأنه مثل الدجاجة التي تدور داخل شواية في محلات بيع الفروج المشوي، فإن حاول أن يشاهد أخبار (الجزيرة) سيعده مراسلها في نيويورك طلال الحاج وهو يتحدث عن التحرك الفرنسي الأمريكي البريطاني بقرار من مجلس الأمن الدولي يلزم سورية بترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، وإن انتقل إلى (العربية) فستقول له منتهى الرمحي بأن الرئيس بوش قرر تجديد العقوبات على سورية، وعلى شاشة (المستقبل) سيرى ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية يصرح بأن سورية لاتزال الدولة الوحيدة المتورطة باغتيال رفيق الحريري،

وفي الـ((LBCI سيظهر له وولش من جديد وهو يصف العلاقات السورية الأمريكية بأنها تحت الزفت، وينطقها بالعربية نكاية بالسوري المسكين الذي يشاهده وحتى لايستطيع أي مترجم تلطيفها، وعندما يقرر السوري أن يبحث عن قناة من تلك التي يكتبها الأطباء في وصفاتهم الطبية كعلاج فعّال للأرق ويختار الأردنية، يفاجأ بأنها تبث اعترافات عناصر حماس الثلاثة حول تلقيهم تعليمات من قيادات في سورية لتنفيذ عمليات عسكرية في الأردن، وساعتها يقرر هذا السوري بأن يشاهد أية قناة عراقية تعرض صور جثث ضحايا العمليات الارهابية في العراق، حتى تهون عليه مصيبته وهو يرى مصيبة غيره، لكن حظه يقوده لسماع تصريح الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي اعتبر فيه سورية المصدر الأساسي لدعم المسلحين في العراق، فقد أصبح من النادر أن يمر السوري بقناة تلفزيونية عربية أو أجنبية إلا ويسمع فيها كلمة سورية بلهجة لاتوحي بأن "الله حاميها"، وانما توحي بأنه "لكل أجل كتاب"، ويكفي أي سوري رؤية وجه وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس أو المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة جورج بولتون أو الرئيس الفرنسي جاك شيراك أو سيرج براميرتزالمحقق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى وإن كانوا يتحدثون بالسنسكريتية ليعرف أنهم يتحدثون عن سورية باعتبارها مشكلة، وليس دلالة على أهميتها كما كان يحلو لشكوكو الاعلام السوري الدكتور مهدي دخل الله تفسير ترداد اسم سورية في الاعلام، أو باعتبارها طرفاً في مكاسرة إرادات مع أمريكا كما كان يحب تسميتها الدكتور عماد فوزي الشعيبي الذي ينتمي لمدرسة المرحوم توفيق الدقن في التحليل السياسي.

أمام أي سوري تلقمه المحطات التلفزيونية كل دقيقة، كيف أصبح اليوم يعيش في دولة مواجهة عن جد، لا باعتبارها علكة بنكهة المواجهة كان معتاداً على وضعها في فمه لتغيير طعمته سابقاً، حل من اثنين، فإما أن تصيبه ذبحة قلبية ويرتاح الراحة الأبدية، أو القيام بمجازفة العودة لتعاطي التلفزيون السوري الذي لاتنصح المراجع الطبية باستخدامه إلاّ في حالات الألم الشديد وعندما لايعود المورفين مؤثراً، فأمام شاشته يشعر السوري بسلام روحي لايعادله إلا سلام وجوده في مقبرة، ويشعر مشاهده بأن لكل مشكلة حل أبسط مما تصوره، ولاداعي لأن يعقد أي أمر عليه، وبوجود نضال قبلان وبرنامجه "دائرة الحدث"، لاتوجد مشكلة أساساً، ليصدر مجلس الأمن قراره الذي تتوعد به فرنسا وأمريكا وبريطانيا، ماالذي سيحدث أكثر من إحضار نائب الحزب القومي السوري في البرلمان اللبناني مروان فارس، والوزير اللبناني وئام وهاب إلى استديو التلفزيون السوري ليجلسا أمام المذيع نضال قبلان، الذي سيجري أيضاً اتصالاً هاتفياً بالمحلل السياسي الدكتور فايز الصايغ مدير عام التلفزيون السوري، والذي لاتبعد غرفته عن الاستديو أكثر من خمسة عشر متراً، ثم يبدأ الأربعة دخول "دائرة الحدث"، ويكفي المتحاورين امتناع دولة واحدة عن التصويت للقرار حتى لو كانت بحجم قطر،

ليصبح القرار بغض النظر عن صدوره مشكوكاً بأمره، ويتم دراسة دلائل عدم الاجماع عليه، وقراءة مابين السطور في أهمية امتناع دولة عن التصويت عليه، ثم ينتقل الحوار للتشكيك بمجلس الأمن من أساسه، واعتباره لايمثل الشرعية الدولية، ويزاود كل منهم على الثاني في طرح الأمثلة حول تحوله إلى ألعوبة بيد الأمريكان، ناسين أنهم في حلقات سابقة من البرنامج اتهموا أمريكا بأنها شنت الحرب على العراق بدون تفويض أممي، وخارج الشرعية الدولية، ويستذكر كل منهم قرارات الأمم المتحدة التي لم تطبقها اسرائيل، وعندما تأتي سيرة المواقف القومية لسورية التي يؤكدون جميعاً بأنها السبب الرئيسي وراء صدور القرار، يتحول البرنامج إلى مايشبه مزاداً علنياً لاينقصه إلاّ جرس وكلمات مثل (على أونا على دويه على تري)، إلى الحد الذي يشعر به متابعهم أن سورية هي الدولة الوحيدة في العالم التي لها مواقف قومية ومبدئية وثابته، بينما كل الدول العربية والعالمية مواقفها مذبذبة وزئبقية وانتهازية ورجراجة.

ولو قدّر لأي كاميرا في العالم أن ترصد مايحدث للسوري مع ظهور الشارة الأخيرة لبرنامج "دائرة الحدث"، لشاهد مايشبه التحول لدى شخصية باباي الكارتونية بعد تناوله لعلبة سبانخ، ينتفخ صدره قوةً، ويشعر بالزهو كما لو أنه حضر اجتماعاً عسكرياً لجنرالات دائرة الحدث الأربعة، أطلعوه فيها على مايملكونه من أسلحة قادرة على نسف مجلس الأمن بأعضائه مع دولهم، وليس فقط مواجهة قرار صغير مكتوب على ورق، لايقدم ولايؤخر، ويؤذي مصدريه أكثر مما يضر بسورية!

و إذا كان مجلس الأمن بأعضائه الخمسة عشر لايأخذون بيد نضال قبلان أكثر من ساعة واحدة لتسفيههم ورد كيدهم إلى نحرهم، فالأمر أسهل بالنسبة لقرار الرئيس الأمريكي بتجديد العقوبات على سورية، فهذا لايحتاج لتدخل جنرال بحجم نضال قبلان، كونه لايمثل أكثر من دولة واحدة، ويمكن لصول في التلفزيون من مستوى نضال زغبورأن يتولى أمر الرد عليه، خاصة وأن النائب السوري الشيخ الدكتور محمد حبش يمكن العثور عليه في استديو التبادل الاخباري يسجل مقابلة مع محطة فضائية عربية، كما يمكن استعارة دكتور القانون الدولي ابراهيم الدراجي من استديو الأخبار في التلفزيون، وخلال ساعة يصبح الثلاثة على الهواء في برنامج "مدارات"، في حلقة تاريخية، تشعر السوري بأنه شاهد جلسه للمحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة، وأن قضية سحب الثقة من بوش مسألة وقت، وربما لن يقف الأمر عند سحب الثقة، بل يتعداه إلى الحكم بتجريده من حقوقه المدنية، وعندها لن يكون لقراره بتجديد العقوبات على سورية أية تبعات.

لكل مشكلة حول سورية برنامج في التلفزيون السوري، الذي سجل باسمه اكتشافاً طبياً هو التداوي بالتلفزيون، وإذا لم تكف البرامج فهناك الأغاني، فديتلف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق في قضية اغتيال الرئيس الحريري أوكل للمطرب ثائر العلي الذي رد عليه بأغنية (كل تقريرك ياميليس حقو فرنكين وفلس)، أما مواقف وتصريحات الزعيم اللبناني وليد جنبلاط فقد أوكلت للمطرب وسيم الشعار الذي أفحمه بأغنية (ياعيب الشوم عليك يابيك)، وأدلى بدلوه أيضاً في الشأن المحلي فتناول انشقاق نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام بأغنية (لعبو بعقلك ضحكوا عليك هي آخرتك ياخدام).

من حق السوري أن يطمئن اليوم فسورية أقرب اليوم أكثر من أي وقت مضى ، ببرامجها التلفزيونية وأغاني الفيديو كليب، إلى بناء التوازن الاستراتيجي الذي طالما تحدثت عنه!!