ذهب الرئيس سليم الحص الى دمشق خلال سنوات الأزمة اللبنانية ليقابل نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، الذي كان مكلفاً ما اسماه الأخوة السوريون «الملف اللبناني»، باعتبار ان لبنان لا يزيد عن ملف ولا ينقص. وقد استخدم الاستاذ فاروق الشرع مصطلحاً جديداً هو «المسألة اللبنانية» باعتبار ان لبنان معضلة لا حل لها مثل «المسألة الشرقية». اي ان مصيره ليس ملكه وانما ملك القوى والدول المؤثرة في شؤونه.

في اي حال، المعروف عن الرئيس الحص انه يلجأ الى الدعابة والظرف في أحلك الاوقات. وفي تلك المرحلة كان اللقاء مع الاستاذ خدام يعتبر وقتاً حالكاً، لأنه كان يخاطب اللبنانيين باسلوب فوقي وسخرية لاذعة. طبعاً الرئيس الحص لم يكن مشمولاً بتلك اللغة. وعندما سأله الاستاذ خدام رأيه في الحل يومها، روى له الرئيس الحص حكاية المحكوم التركي الذي كان معلقاً على خازوق. وقد خامر شعور بالشفقة حارسه، فسأله ان كان في امكانه ان يؤدي له خدمة اخيرة. فقال: «اجل. ارجوك ان تنقلني الى الخازوق الآخر»! فتعجب الحارس، وقال، «ولكن ما الفائدة، او ما الفرق»؟ فأجاب: «الفائدة هي الاستراحة بين خازوقين».

أتذكر حكاية الدكتور الحص كلما تابعت اخبار «الحوار اللبناني». فمنذ اللحظة الاولى ادركت انها مجرد رحلة بين خازوقين. وقد اصبح الشعب اللبناني يتقبل اي شيء من سياسييه. ولذلك قال الجميع «صحيح اننا لا نأمل في شيء لكن على الاقل الحوار ينفّسس الاحتقان». اي ليس مهماً ان يتوصل الى اي نتيجة او الى اي حل. ولكنه سينعم على الاقل بهذه الراحة الكاذبة بين وجعين او ألمين. او حالتين مزمنتين من الصراع. وسوف يرضى اللبناني بأي شيء شرط الا تعود حركة السلاح. اما لغته فلم تغب. لغة السلاح والغضب والوعيد وتصغير الآخرين واحتقارهم. وقد اطلق السيد جبران باسيل، صهر العماد عون، العائد حديثاً الى وطنه الأم، حكماً شهيراً عندما وصف جميع مرشحي الرئاسة بأنهم «من الدرجة العاشرة». ولم يوضح سيادته سلم الدرجات لديه وكيفية تقييمها. لكننا فهمنا ان شيئاً لم يتغير، وان اقصى الامل لا يزال ذلك الرجاء الذي تحدث عنه سليم الحص: المرحلة ما بين خازوقين.