هتسوفيه

تسفي برئيل

المهم أن لا يبدأ في الفهم في الشؤون "الأمنية"، وأن يواصل قلب كل حجر، أن ينظر بدهشة الى كل ما يجده تحته، وأن لا يشعر بالاهانة من أصحاب الرتب الذين يغمزون من وراء ظهره. لأنه هكذا فقط ثمة احتمال في نجاح عمير بيرتس بتحطيم الطبقة السميكة التي تغلف منذ فترة زمنية طويلة البؤرة التي يفترض فيها تحديداً ان تنتج تفكيراً أصيلاً.
المؤشرات الأولى ايجابية، وفقاً لتقرير عاموس هارئيل (هآرتس 11 ـ 5) سيقوم بيرتس بإعادة فحص اغلاق المعبر الحدودي مع مصر والحكمة الكامنة في مواصلة القصف المدفعي رداً على صواريخ القسام، سيزيد عدد العمال الفلسطينيين المسموح بدخولهم لإسرائيل، وهو لا يرفض تحويل الأموال للسلطة ولو بوسائل التفافية، ويا للويل ـ حتى إنه اعطى أمراً باعتقال المستوطنين المشتبه بهم أنهم مسوا أطفالا فلسطينيين جنوبي جبل الخليل. بيرتس باختصار لا ينوي تغيير التكتيك فقط بل ان الاستراتيجية ليست مقبولة عليه.
ومن الجائز رفع القبعة للحظة. هذا هو بيرتس نفسه الذي اعتقد قبل الانتخابات انه يمكن التسبب بإسقاط حكومة حماس واجراء تفاوض مع ابو مازن والتسبب عملياً في معاناة كبيرة للسكان الذين سيدفعون ثمن هذه الاستراتيجية. فجأة أخذ بيرتس يلاحظ الغِطاء الذي يظلل منذ زمن نظرة الجيش الاسرائيلي الصافية. هو يتذكر أيضاً العِبرة من أماكن اخرى، مثل لبنان، عندما كان رؤساء هيئات الأركان وليس السياسيين هم الذين يرسمون السياسات. ربما سمع أيضاً عن ان ضباطاً برتبة لواء، وحتى آخرين برتبة أدنى، فرضوا حقائق على الأرض في سنوات الانتفاضة، وهو العاصي الأبدي، نتاج "المواطنة"، غير مستعد لفقدان هذا اللقب.
ان التطلع الى تغيير نظرية الجوارير المرتبة للجيش الاسرائيلي، التي تشمل ملفاً لكل حدث، ورداً على كل فعل، يعبر عن انقلاب في الرؤية، وعن وضع يتم فيه بالتخطيط للسيناريو بدلاً من الانجرار وراءه او بلورة رد عليه. هكذا، على سبيل المثال، قد يؤدي السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في اسرائيل ليس الى احداث انعطافة في وضعهم الاقتصادي فحسب، بل الى اقامة عوائق جديدة امام العمليات. صحيح ان المنظمات الارهابية قد استغلت هذه الوسيلة في السابق لادخال منفذين للعمليات، الا ان اغلاق حنفية العمل هو الآخر لم يحبط تلك العمليات.
ثمة موضوع مشابه هو العقوبات الاقتصادية المفروضة على السلطة االفلسطينية. وفقاً للمعادلة التي وضعت على عجل ـ العقوبات الشديدة ستؤدي الى احداث انقلاب مدني على السلطة. ولكن من يجد نفسه الآن مستجيباً للضغوط الدولية هي اسرائيل لا السلطة لانها تخشى من انتزاع العالم زمام المبادرة منها واتخاذهم قرارا حول متى وكم سيقدمون للفلسطينيين. "ملف حماس" كما يتضح لا يسير وفق ما توقعوا.
قريباً ستواجه اسرائيل ملفاً هاماً آخر بصورة استثنائية: الملف الذي يتعلق بلبنان وسوريا ويتضمن مزارع شبعا. هذه المزارع حصلت في الوعي الاسرائيلي على مكانة موقع عسكري حيوي لحماية الشمال. ولكن مثلما انتج الانسحاب الاسرائيلي من لبنان واقعاً جديدا هناك، كما حصل في العلاقات بين سوريا ولبنان، فمن شأن الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا ان يؤدي الى اضعاف مكانة حزب الله ربما حتى ازالة الذريعة التي يتمسك بها لمواصلة الاحتفاظ بالسلاح. هكذا سيتاح المجال للجيش اللبناني للانتشار على طول الحدود. لكن كلمة "انسحاب" غير موجودة في قاموس الجيش الاسرائيلي. يوجد "فك ارتباط" و"انطواء" او "اعادة انتشار". بيرتس قد يجد نفسه مجدداً في مواجهة احد خطط الدرج الجاهزة.