سورية الغد

ربما نفهم من بعض التحليلات أن "المؤامرة" تأخذ مرحلتها الحدية لتدميرنا، ثم نعيد كل ضجرنا من المصطلح الذي رافق خمس عقود من التاريخ الخطابي، فنستطيع بعدها أن نرفض الحديث او الوقائع ونفكر أن الحياة لا يمكن استعادتها على صياغة زمن المماليك ... لكننا نعيشها على سياق "الاستراتيجية" التي تحاول عدم ترك "المصادفة" تحكم المصالح ... فهل هذه "مؤامرة"؟ أم علينا إعادة تعريفها من جديد .... وتفجير المفهوم الغيبي الذي رسمناه لها وكأنها قدر ضدنا.

نواجه اليوم مجموعة من المعلومات ... ورواية سياسية في مقابل رواية ... وفي كلا الحالتين نرى الموضوع متراكب مع المحاولات الدقيقة لحساب سياسي، ونفاذ مصالح ... ليست مؤامرة إذا كنا نتعامل مع طبيعة المؤسسات والتخطيط المستقبلي، وحتى عندما يتم شطب أي شخص أو تيار من المعادلة فإن الأمر لا يحتاج لــ"مؤامرة" بالسياق التقليدي، بل مراكز الأبحاث التي تقسم العالم وفق ما تريده أو تسعى إليه ... سايكس – بيكو مؤامرة ... ربما بمقاييس محددة، لكن المسألة ليس في المصطلح، بل بالعجز الذي نجابه به الاستراتيجيات.
ليس هناك حاجة لإعادة تعريف "المؤامرة" بل لتغيير الصورة الذهنية لهذا المصطلح وكأنه صورة قياسية لنظرتنا للأمور، فنرفضه لأننا مللنا من المصطلح، أو نقبله لنبرر عجزنا، أو حتى نفهمه على قياس زمن سلاطين بني عثمان. فعندما نواجه استراتيجية معقدة لتبديل الجغرافية – السياسية، فهذا يعني اننا نواجه "مؤامرة" من منظرنا أو حتى في منطق تفسيرنا للأمور، لكنها في النهاية سياسة الدول التي تعمل دوما على رعاية مصالحها في ظل وضع دولي متداخل.
لا حاجة اليوم لمناقشة الروايات السياسية، فالمعرفة بها تكفي، والقادم هو ما يجب أن نرسمه من صور جديدة وآليات لمجابهة ما يحدث بغض النظر إن كان مؤامرة أو واقعا يجابهنا لأننا عاجزون عن إيجاد مجال حيوي داخل جغرافيتنا.

ما حصل في الأعوام الماضية هو صيغ عصرية علينا تفسيرها وفق سياسات الدول وقدرتها على بناء مصالحها بأشكال مختلفة ... وما حصل هو مؤامرة من داخلنا على أنفسنا لأننا لم نرسم بعد استراتجية نحدد بها مصالحنا وسط عالم متغير باستمرار.