د. ثائر دوري

على موقع وزارة الخارجية الأمريكية باللغة العربية *و جدت نصا يتحدث عن برنامج اسمه (وايرد إنترناشيونال) ابتكره في العام 1997 البروفيسور غاري سيلنو أستاذ علم الاتصالات بجامعة الولاية في مدينة سان فرانسيسكو، و هذا البرنامج مخصص ، كما يقول الموقع ، بتنمية مهارات الأطباء العراقيين عبر إنشاء قاعدة بيانات و شبكات معلومات و مكتبات و ربط مراكز كثيرة في العالم عبر شبكة الأنترنت وقد أنشأ البروفيسور سيلنو مراكز للمعلومات الطبية في 97 دولة نامية موزعة على أربع قارات، وتشمل تلك المراكز 39 مركزا في العراق.

و الملفت حقيقة هو كلام البروفسور سيلنو ففي كلمته في حفل غداء أقيم تحت رعاية رابطة أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي المتقاعدين، يوم 28 شباط/فبراير قال البروفيسور سيلنو :
(( إن الغرض من هذا البرنامج هو تسخير ما وصفه بـ "القوة الناعمة" لتكنولوجيا المعلومات الأميركية للمساعدة في تغيير العالم نحو الأفضل. (مقارنة بالقوة العسكرية "الصلبة ))
أدهشني هذا الوضوح الفكري و هذا الإدراك العميق لدور البرامج العلمية و الطبية و موقعها في نشاط الإدارة الأمريكية الإمبرطوري . و أدهشني التعبير بجرأة عنها بدون مواربة فلا حديث عن إنسانية أو تخفيف آلام و عذابات بل ذهاب إلى الهدف مباشرة بكلام دقيق و مقارنة ذلك بالقوة العسكرية " الصلبة " . قوة علمية ناعمة متناغمة مع قوة عسكرية خشنة .

و بالطبع فإن استخدام القوة الناعمة ليس جديدا بل هو قديم قدم التجربة الاستعمارية . لكن الجديد على موقع وزارة الخارجية الأمريكية هو التعبير الواضح البسيط غير الموارب ، فلا شعارات و لا كلام إنساني عن مهمة تحضير العالم أو نشر الديمقراطية أو مكافحة آلام الناس . بل كلام واضح بسيط يعبر عن جوهر الحقيقة .

(( إن الغرض من هذا البرنامج هو تسخير ما وصفه بـ "القوة الناعمة" لتكنولوجيا المعلومات الأميركية للمساعدة في تغيير العالم نحو الأفضل. (مقارنة بالقوة العسكرية "الصلبة ))
منذ البدء كانت العربة الإمبريالية ترويكا (( عربة روسية تجرها ثلاثة خيول )) يجرها الطبيب و المبشر و العسكري . و نتج عن هذه الثلاثية ثلاثية إمبريالية أخرى هي : المدرسة أو الكنيسة ، و هما شيء واحد ، و المشفى ، و القاعدة العسكرية .

و كان التناغم بين عمل هذا الثلاثي قائماً على طوال تجربة غزو العالم و استعماره . فمرة يبدأ الأمر بتقدم الطبيب و المشفى . و في مكان آخر تقدم المبشر و مدرسته ( كنيسته ) ، و في حالات أخرى يأتي العسكري أولاً فتحل القاعدة العسكرية . و في أحيان كثيرة كان الطبيب نفسه هو المبشر الديني ، فاندمجت المدرسة ( الكنيسة ) مع المشفى . و في مرات أخر كان الطبيب ضابطاً عسكرياً و قد رأينا ذلك بأم أعيننا في المشاهد الدعائية التي بثتها القوات الأمريكية عند دخول قواتها الغازية الأراضي العراقية فشاهدنا أفلاماً عن الطبيب العسكري الذي يرتجل مستوصفاً ميدانياً ليعالج أطفال القرية العراقيين .......

و في كل الحالات تبقى الترويكا قائمة . العسكري يسمى القوة الخشنة و المبشر و الطبيب يسميان القوة الناعمة . و الهدف هو إخضاع العالم للنهب الإمبريالي . و في العراق حضرت القوة الخشنة بشكلها العسكري الصريح و سرعان ما تلتها القوة الناعمة ممثلة بهذه البرامج و مثيلتها من قبل إنشاء منظمات مجتمع مدني و تمكين النساء على الطريقة الغربية و إقامة دورات تأهيلية لهن في البحر الميت .............

إن القوة الناعمة هي الأخطر فالقوة العسكرية تستفز عناصر المقاومة عند الشعوب أما الإخضاع الثقافي بالقوة الناعمة فهو احتلال حقيقي للعقول . و ربما هنا يكمن مقتل الولايات المتحدة في تجربتها الإمبريالية في العراق فقد حضرت بالقوة العسكرية الخشنة لذلك استفزت جهاز المناعة لدى الأمة فكانت هذه المقاومة الجبارة التي وحلت وجه أمريكا و جعلتها تغوص تدريجياً في مستنقع لا أمل بالخروج منه سالمة . لكن هذا لا يعني أنها تخلت عن القوة الناعمة بل هي تحاول عبرها ترميم عجز القوة الخشنة لكن هيهات فقد فات أوان السيطرة على العقول العربية ثانية .
http://usinfo.state.gov/ar/index.html