توالت الاستقالات من إدارة جورج بوش في الآونة الأخيرة، إلا الاستقالة المطلوبة: دونالد رامسفلد. فلا الرئيس الاميركي يصرف وزير دفاعه ولا هذا يعتبر أن ما حدث في العراق حتى الآن يستحق الاستقالة: 350 مليار دولار من التكاليف و2400 قتيل أميركي وسمعة دولية متدهورة. «فالشرطي العالمي الأوحد» منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، اثبت انه غير قادر على هذه المهمة. والامتحان العراقي تحول إلى مأساة للعراق والى محنة حقيقية للغرب. لقد أرغم بوش جميع الحلفاء على الذهاب معه في مغامرة سياسية واستراتيجية وتكتيكية بائسة. وانزل عقاباً شديداً بفرنسا عندما قال له رئيسها «انك تفتح أبواب الجحيم». وقد انصرف من حوله معظم الذين أخذهم معه. ولا يزال المأزق يضيق كل يوم. ذلك إن حلفاءه في أوروبا يتراجعون، الواحد بعد الآخر: الإيطالي بيرلسكوني قد هزم. وطوني بلير في طريق الخروج. وجاك شيراك شارفت ولايته على نهايتها.

وفي العراق أخفقت أميركا عسكرياً وسياسياً. وفيما تدعو قوى كثيرة إلى انسحاب فوري، يعتقد آخرون أن الانسحاب الفوري سوف يؤدي إلى نتائج وحروب كارثية في العراق وفي المنطقة معاً. أي لا بد من البحث عن مخرج. لكن كلما ازداد الوضع سوءاً ازدادت المخارج الممكنة صعوبة وتعقيداً. وعندما واجه ليندون جونسون وضعاً مشابهاً في الفيتنام العام 1968 دعا «عقلاء أميركا» من جنرالات متقاعدين وسياسيين وحزبيين إلى لقاء، اجمعوا فيه على ضرورة إنهاء الحرب. وبعد أيام أعلن خفض الحملات الجوية على شمال فيتنام كما أعلن انسحابه من السباق الرئاسي. لكن طبعاً جورج بوش ليس ليندون جونسون. فهو ما يزال يقف أمام الكاميرا مبتسماً ويقول: «لقد ربحنا الحرب». ومنذ سقوط بغداد في المرة الأولى وهو ينتقل من هزيمة إلى هزيمة. ولا يزال دونالد رامسفلد يقرض أو يقضم أيضا. ولا تزال المز رايس تأتي إلى بغداد وتعلن أن أميركا ارتكبت ألف خطأ تكتيكي، لكنها لم تقل لنا ما هو الانتصار الاستراتيجي الذي حققته.

بعض الأميركيين يقترحون حلاً تشارك فيه دول الجوار على طريقة «اتفاق الطائف» الذي أنهى حرب لبنان. لكن يبدو أن ما حققته إيران في العراق حتى الآن يجعل حتى مثل هذا الاتفاق صعباً.