البيان

كشفت مصادر مطلعة عن وجود صفقة سرية بين واشنطن وليبيا ساهمت في عودة العلاقات الدبلوماسية فيما بينهم ، وتعود خيوط القضية إلى الثالث عشر من سبتمبر 2001 ، بعد يومين من الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن.

حيث اجتمع مدير الإستخبارات الليبية موسى كوسى سرا في لندن، مع مسؤولين من وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي . إيه)، وقدم لهم قائمة بأسماء مشتبهين بعلاقة لهم مع تنظيم (القاعدة) ينشطون في أوروبا، وتعهد باستعداد ليبيا تنفيذ كل المطلوب منها فيما يتعلق بفضايا الخلاف بين ليبيا والولايات المتحدة.

وأضافت المصادر نفسه أن الأميركيون فوجئوا بما قدم لهم من معلومات مهمة جدا استغلت أحسن ما يرام في تلك الفترة، لكنهم ظلوا على شكوكهم في مدى جدية الليبيين في التعاون وتنفيذ المطلوب منهم،إلى حين تجسيد طربلس لالتزاماتها.

بعد هذا الإجتماع المهم، دخل المسؤولون الأميركيون في جدل حول كيفية التعامل مع ليبيا، وكان فريق يرفض التعامل قبل التأكد ومعرفة أن التحول الليبي حقيقي، وليس مناورة، او واحدة من المفاجآت المشهور بها القذافي، في حين كان فريق أخر يدعم فكرة إعطاء فرصة لطربلس لإظهار حسن نواياها في التعامل معشروط أميركا.

من جهتهم واصل الليبيون، خلال خريف 2001العمل على تنفيذ المطلوب لإثبات جديتهم في التعاون وأن تحولهم حقيقي. فكان الإجتماع الذي عقد علنا في لندن هذه المرة، في الرابع من أكتوبر 2001، أي بعد ثلاثة أسابيع من هجمات سبتمبر، بين مسؤولين أميركيين وبريطانيين وليبيين، حيث تم ضمان التزام ليبيا بقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بدعم ليبيا للإرهاب، بما فيها تفجير طائرة بان آم.

تأكد الأميركيون بموجب هذا التحرك الجاد من جدية الليبيين في تحولهم، بعد الإجتماع السري، الذي رغم أهميته، لم تورده وزارة الخارجية (لكونه سريا ) في قائمة للحقائق أصدرتها عن أبرز المحطات المهمة على طريق التقارب بين الولايات المتحدة وليبيا، الذي أوصل إلى إعلان الإدارة الأميركية قرارها منتصف هذا الشهر استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع ليبيا.

وازداد تأكدهم بإعلان ليبيا في التاسع عشر من كانون الأول 2003عزمها تفكيك والتخلي عن برنامجها النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، واعتبرت الإدارة ذلك مثل هدية تقدم للرئيس الأميركي جورج بوش بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة.

فسر الأميركون تسليم النظام الليبي وتنفيذه المطلوب منه بالكامل،وتحوله الذي،بدأ طريقه الطويل علنا في الخامس من إبريل 1999، بأنه تحولا لم يبدأ بين ليلة وضحاها، بل يعود في جذوره إلى منتصف االثمانينات، عندما بدأ القذافي ونظامه يواجه في الداخل معارضة إسلامية مهمة منظمة، على غرار ما أصبح يعرف اليوم بتنظيم «القاعدة»، وباتت تشكل خطرا عليه.

ووجد القذافي في هجمات سبتمبر، والشعار/ التهديد الشهير الذي أطلقه الرئيس بوش في إعلانه الحرب ضد الإرهاب «إذا لم تكن معنا فأنت مع الإرهابيين» فرصة خلاص فاغتنمها، في أقل من يومين، لكسب ود الأمريكيين وإزالة حالة التوتر التي كانت تطبع علاقات البلدين، وقال للأميركيين «هذه قائمة المشتبه بعلاقتهم بالقاعدة، وأنا معكم وسننفذ المطلوب» .

ووافق القدافي على التعويض الذي اشترطته أميركا لعائلات ضحايا بان آم،والسير لإنهائها، وما تلا ذلك من خطوات رافقها الحرص والخوف أن تصنف الإدارة ليبيا مع دول (محور الشر) الذي أعلنه الرئيس بوش مطلع عام 2002وضم كلا من العراق وإيران وكوريا الشمالية.

وبالإضافة إلى اعتقاد الأميركيين أن القذافي فهم شعار « من ليس معنا فهو مع الإرهاب » فقد لاحظوا في تعيين شكري غانم، رئيسا لوزراء ليبيا عام 2003.

وهو خريج جامعة تافت الأميركية، المحبذ والداعي لعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة والغرب، وعمل الكثير من أجل ذلك، مؤشرا ودليلا على جدية التحول الذي سلكت طربلس طريقه، وإن هذا الطريق وإن كان طويلا، فإنه يمكن أن يكون نموذجا تحتذيه دول أخرى مثل إيران والسودان وكوريا الشمالية، كما قال ديفيد ويلش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون منطقة الشرق الأوسط.