هآرتس

الوف بن

الرحلة الأولى إلى الولايات المتحدة هي بمثابة الحفل التمريني لكل رئيس حكومة إسرائيلي، وفي الواقع لكل زعيم دولة في العالم. فكل واحد ينفعل من اللقاء المباشر مع الرئيس الأميركي الشديد التأثير، من الاستقبال في البيت الأبيض، من سيارات الليموزين السوداء والأعلام المرفرفة. هذا اللقاء يشكل ارتقاء بصاحبه من موقع السياسي الهامشي إلى موقع السياسي الدولي. لكن لإيهود أولمرت الذي سيزور يوم الثلاثاء القادم جورج بوش في البيت الأبيض، سببا إضافيا للشعور بالفرح. ذلك أن هذه الرحلة ستكون يوم الاستقلال بالنسبة له، خطوة مهمة على طريق خروجه من ظل سلفه، أريئيل شارون، وتعزيزا لصورته في إسرائيل.
سيحظى أولمرت بضيافة من الدرجة الأولى في واشنطن، حيث سيخصص له بوش ست ساعات من الوقت الرئاسي، تصل ذروتها في العشاء العائلي الحميم. أما وسائل الإعلام فستنشر تقارير عن "الكيمياء" الرائعة بين الزعيمين، وستجري مقارنات مع زيارات شارون. وفي هذا المجال تميل المعطيات الأولية لصالح أولمرت: إنه يشبه بوش من حيث العمر، الطول، الحب المشترك للجري لمسافات طويلة. وخلافا لشارون، الذي لم يشعر بالراحة في مجتمع الأجانب، يحب أولمرت إظهار تمكنه من اللغة الانكليزية. وهو سيلقي خطابا أمام مجلسي الكونغرس، وهي بادرة ايجابية لم يحظ شارون بمثلها خلال دزينة زياراته إلى الولايات المتحدة.
زيارة أولمرت مضمونة النجاح في جزئها المتعلق بالعلاقات العامة. لكن المشكلة تكمن في أجزائها الجوهرية. فالزيارات الأولى لأسلافه جرت بينما كان حل النزاع الإسرائيلي ـ العربي مطروحا على رأس أولويات السياسة الخارجية الأميركية، حائزا على كامل الاهتمام. لكن ثمة الآن أمورا أكثر الحاحا في واشنطن: ارتفاع أسعار الوقود، احتجاج المهاجرين، إيران والعراق. فالتورط في المستنقع العراقي والفشل الفظيع الذي لحق بـ"نظرية بوش" بشأن الديمقراطية في العالم العربي والتي أدت إلى صعود حماس، تسبب في تدني الخافزية لدى الإدارة الأميركية إزاء خوض مغامرات جديدة في المنطقة.
هذه المشكلة الصغيرة فقط. فأولمرت وبوش يأتيان إلى اللقاء كزعيمين ضعيفين. الضيف يأتي مع 29 مقعدا لحزب كاديما وائتلاف هش مع وزير الدفاع، عمير بيرتس؛ والمضيف مع 31% من التأييد وفق استطلاعات الرأي ـ حضيض لا سابق له ـ ومع انهيار في البيت الأبيض وفضيحة في اجهزة الاستخبارات. في هذه الحال يصعب دفع خطوة سياسية نحو الأمام، وهذا ما اكتشفه إيهود باراك.
سيُقال لصالح أولمرت أنه استعد جيدا للسفر، ولم يتصرف مثل باراك، الذي أصر على التحدث مع الرئيس كلينتون من دون محادثات تمهيدية. فقد أجرى مساعدو أولمرت لقاءين تحضيريين مع كبار موظفي الإدارة الأميركية، وأدركوا أن خطة الانطواء الخاصة برئيس الحكومة تثير الآن القليل من الحماس في واشنطن. لقد خاب أمل أولمرت: فهو رأى الثناء الذي حصده شارون بسبب انسحابه من قطاع غزة ومن بعض مستوطنات الضفة، وتوقع استقبال اقتراحه إخلاء كل المستوطنات غرب الجدار بالرقص وأهازيج الفرح. لكن الفلسطينيين نجحوا في الالتفاف عليه، وجندوا جبهة أوروبية وعربية ضد الخطوة الإسرائيلية الأحادية الجانب لتحديد الحدود في الضفة الغربية.
ما بدا في إسرائيل على أنه تنازل عظيم، الانسحاب من 90% من الضفة، رآه العالم كمحاولة للسيطرة بالقوة على الأرض المتبقية. فالتقارير الواردة بخصوص التجويع المنهجي للفلسطينيين وبشأن مرضى الكلى الذين ماتوا بسبب غياب العلاج، زادت في تقويض الموقف الإسرائيلي. فأعضاء الرباعية رفضوا المحاولة الأميركية لحشد التأييد، ولو تلميحا، لخطة الانطواء التي يطرحها اولمرت. وفي واشنطن أصغوا وطلبوا منه التراجع خطوة إلى الوراء، أن يصل إلى الانطواء ببطء وبشكل تدريجي، بعد محاولة التفاوض مع الفلسطينيين وبلورة تفاهمات هادئة مع الأميركيين.
سارع أولمرت لملاءمة التوقعات. فهو ليس اسحاق شامير، معلمه السياسي السابق، الذي قام خلال زيارته الأولى إلى بوش الأب بإعطائه محاضرة بشأن أهمية المستوطنات متجاهلا المعارضة الأميركية لقيامها. وخلال جلسة وزراء كاديما أمس الأول، توجه الوزير زئيف بويم بسؤال إلى أولمرت، حول ما إذا كان سيحصل في واشنطن على إعلان تأييد لخطة الانطواء. فأجابه أولمرت بالقول: " لا ينبغي قول كل شيء". فأولمرت سيكتفي باعتراف أميركي بـ"خطوات بديلة" لحالة توقف المفاوضات مع الفلسطينيين. في المقابل، سيطلب من بوش تعزيز الالتزام الأميركي بـ"خارطة الطريق"، وتعزيز مطالبه من الفلسطينيين بمحاربة الارهاب، من أجل صد الدعوات اليائسة لمحمود عباس للقفز مباشرة إلى التسوية الدائمة. فتصريحات أولمرت قبل الانتخابات بأنه سيحصل على اعتراف بـ"الحدود الدائمة" في الضفة تشمل الكتل الاستيطانية، تبدو باطلة في هذه الأثناء.
مع وجود خطة الانطواء في الثلاجة، تنتقل إيران لتحتل قمة جدول أعمال اولمرت في واشنطن. هذا الأمر سيشكل الاختبار الأعلى لمؤهلاته الديبلوماسية: عليه أن يوضح لبوش أن إسرائيل لا تستطيع العيش مع سلاح نووي في يد "المريض النفسي" محمود أحمدي نجاد، لكن ممنوع عليه أن يبدو كمن يدفع الولايات المتحدة للقيام بعملية عنيفة. ذلك أن الادعاءات المتزايدة التي تفيد أن "اللوبي اليهودي" هو الذي ورط الإدارة الأميركية في الكارثة العراقية، وأن هذا اللوبي يقوم الآن بالتحريض للقيام بعملية مماثلة ضد إيران، أقلقت جدا الجالية اليهودية. وعليه، سيعرض أولمرت أمام بوش خطورة التهديد الإيراني، وسيقول له إن إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة العظيمة التي ستعرف ما الذي يتعين فعله.
قالوا في مكتب أولمرت هذا الاسبوع، أن اهمية الزيارة ستكون في خلق الصلة بين رئيس الحكومة وبين الرئيس. وقد قال اولمرت لوزراء كاديما أن هذه هي المحطة الأولى فقط، وأنه سيكون هناك المزيد من اللقاءات. وعندما سأله أحد الوزراء حول ما إذا ينوي لقاء المرشحين الديمقراطيين أيضا، خصوم بوش، وعدم ظلمهم، أوضح أولمرت أنه لا توجد منافسة الآن، وأنه سيلتقي في الكونغرس مع زعماء الحزبين. هنا تدخل شمعون بيرس القديم وقدم له نصيحة: "ينبغي كثيرا الحرص على نيل التأييد الحاسم من بوش". إنه سيراقب هذا الأمر تحديدا عندما يكون الأميركيون منشغلين في شؤون داخلية. لأنه في أميركا أيضا، كما في إسرائيل، كل شيء سياسي.