إنه بالطبع يصحو صباحا على الضجيج، لأن الاستثمارات الفردية بدء من "الميكروباصات" وانتهاء بعربات بيع الخضرة لن تدع له مجالا للاسترخاء، وربما يستصعب الذهاب إلى العمل وسط تراص العربات وعدم قدرتها على النفاذ نحو مساحات أوسع تمارس فيه التنقل السريع ... لكنه كمواطن عليه أن يصحو .. يذهب .. يمارس العملية الإنتاجية، أو الاستهلاكية ... فهو يعرف تماما أن فعل الولادة يعني العمل، أما فعل الحياة فهو في اللحظة الرهانة ممارسة "الإعلام الفضائي" دون قدرة على الهروب باتجاه آخر.

هو مواطن "إعلامي" بامتياز ... ومنتج على قياس "التصريحات" ووفق شاكلة غير مسبوقة من القدرة على تجاوز كل الكلام والإبقاء على "الوجوه" التي أتحفته بزحف الكلمات. ولأنه مواطن فإن عليه اعتياد الثرثرة وكأنها صراخ لمكبرات الصوت في حفلة عرس صاخب، أو نشاز المنشدين عندما يفقدون اللحن فيصبحون جوقة من "الفوضى" ...

ثم ما هي صفات هذا ... المواطن ... أو عمن نتحدث عندما نحاول تجسيد صورة مجسدة لبشر قائم اليوم على الحركة الآنية، وعلى اعتياد الحياة تماما كما ظهر يوم الولادة دون مصير أو قدر!! المسألة ببساطة أن التصريحات التي لامسته أوجدت حالة واحدة لدية كـ"مواطن إعلامي" هي امتصاص الخيال وحقنه بالصوت والصورة ... بالحدث وسرعة المراسلين واستعرض المبدعين لتصبح الدنيا شريط أخباري يمنعه حتى من التركيز على تتابع الصور.

حالة إنسانية؟ ربما لكنها بالضرورة تلاحق كل الناس وليس أبناء الشرق الأوسط. لكنها في حمى الجغرافية الشرق –أوسطية لا تصبح إدمانا فقط بل رغبة في اعتلاء المنصات، لأن الخيال أصبح نجومية الشاشات الفضية والسياسات التي تعيد تركيب وجوهنا دون أن ندري لكننا نبقى مصرين على البقاء كمواطنين إعلاميين بدلا من أن نصبح بشرا يتابعون الحدث ثم يشرعون أيديهم للريح وينطلقون نحو كل المساحات المتبقية التي لم تغزيها التصريحات من شرق الأرض ومن أقصى الغرب، حيث تصبح المؤتمرات الصحفية كرنفالا احتفاليا لكلام يستمر بطاقة لا تتوقف.

إنه مواطن إعلامي لكن يختلف ما بين العراق وفرنسا والولايات المتحدة ... ففي بغداد هو قادر على مشاهدة الموت قبل أن يحصده القتل المجاني، وفي باقي الدول باتجاه الغرب هو قادر على الاسترخاء على الشاشة الفضية ...