نجيب نصير

لا أدري ما هي ضرورة وزارة المغتربين، والأصح لا أستطيع تقدير ما هو شغلها تحت هذا العنوان العريض ( وزارة المغتربين ) في كل الأحوال هي شأن حكومي لا ألم بتفاصيله وضروراته ولكنه دوما يفتح في عقلي الكثير من الأسئلة عن الاغتراب والمغتربين، لماذا اغتربوا ؟ وأي مكان يفضلون الآن هنا أم هناك؟ وماذا تعني بلادهم الأصلية بغض النظر عن الأشواق والعواطف؟ وكم جيل يمكنه تذكر هذه العواطف ؟ وهل يجب النظر إليهم كمواطنين أجانب يرتبطون بحالة عاطفية مع بلدهم الأصلي ام ماذا ؟ أسئلة كثيرة برسم وزارة المغتربين التي لم استطع ان احدد الفائدة منها وهي لم تعلمنا.

ولكن وتحت نفس العنوان(المغتربين) وأظنني رومنسيا اذ أفكر هكذا !! ماذا عن بقية أنواع الاغتراب؟ ولنستخدم الكلمة المتداولة جدا الاغتراب في الوطن ، لا أظن ان وزارة المغتربين مهتمة بهذا الموضوع ولا اعتقد انه من اختصاصها فالتسمية والمقصود منها واضحة الى حد ما ….

ولكن وفي جولة في عوالم الاغتراب، يتبادر لي سؤال حول المغتربين في الزمن، الذين يصرون على شد الأمتعة والرحيل الى الماضي، هؤلاء؟ أليس من يلحظهم على أساس أن الاغتراب بشتى أنواعه هو خسارة للوطن؟

هناك الكثير من المؤشرات التي تقودنا لتمييز ملامح هذه القافلة منذ التحضير لها وحتى وصولها الى مضارب القرون الماضية ، ولعل الخضوع الاجتماعي للأوامر التراثية هو احد وجوه هذا الاغتراب فيكفي ان نتصفح مجلة المقتطف او الدهور الصادرتين في بداية القرن الماضي لنكتشف اننا في بلاد غير البلاد التي أصدرتهما ، لنقدر ان الاغتراب هذه المرة ليس انتقال مجموعة من الناس من بلد الى آخر ، ولكنه نقل مجتمع بكامله ( ارض + بشر ) إلى مكان آخر ، وإذا كان الاغتراب بمعناه المتداول هو انتقال الى مكان موجود وملموس ، فالاغتراب في الزمن هو انتقال الى مكان افتراضي هيولي ليس من صفاته الوجود، وإذا استطاعت وزارة المغتربين او غيرها (ضبط) حضور المغتربين في الأمكنة الموجودة في جهات الأرض الأربعة والاستفادة مما يقدمون كخدمة للبلد الأصلي، فأن المهاجرين إلى الزمن الماضي سوف يكونون في منأى عن أي (انضباط ) يقودنا للحضور إلى جانب الأمم المعاصرة .

ان ظاهرة الاغتراب في الزمن تشبه تماما ظاهرة الاغتراب العادية، فهي ناتجة ايضا عن غياب الزمن الحاضر بما يعنيه من فعل اجتماعي يعطي الناس أدوارا حقيقية في حياة حقيقية تصل الى نتائج حقيقية، وليس انتظار الآخرة للحصول على نتائج المرور في حياة نفترض انها اجتماعية. فاذا كان من واجبات وزارة المغتربين الحد من ظاهرة الاغتراب !!! فانه من الأولى ونظرا لتشابه الحال ان ننظر الى هذا الارتحال كنوع من التفكيك لزمننا الحاضر ومصادرة على زمننا القادم.