ايلاف
تحذيرات دولية من عودة مسلسل الاغتيالات إلى لبنان

بلال خبيز: لا يشك المرقبون ان لبنان وسورية مقبلان معاً على تطورات قد تكون دراماتيكية في الاسابيع القليلة القادمة. ومنذ الاسبوع الماضي بدأت البعثات الدبلوماسية الغربية تحذر من عودة إلى مسلسل الاغتيالات والتفجيرات على المستوى اللبناني، وتربط هذه المصادر الغربية مسلسل الاغتيالات والتفجيرات والتوتير الأمني بالإدارة السورية مباشرة، على ما تعكس تقارير الصحافيين. لكن الاتهام السياسي الرسمي، كما حصل قبيل الحرب على افغانستتان لم يحصل حتى الآن. مما يعني ان على اللبنانيين ان يأخذوا قضيتهم بيدهم، وان يتحملوا اعباء مطلب استقلالهم الناجز عن سورية من دون دعم دولي ملموس على هذا الصعيد.

بطبيعة الحال لم يخل الملعب اللبناني – السوري من تدخلات من الجانبين، فلا نذيع سراً إذا قلنا ان تصريحات نائب الرئيس السوري عد الحليم خدام لقناة العربية السعودية عشية رأاس السنة الميلادية المنصرمة كانت مدروسة لجهة توقيتها ولجهة الغاية من اطلاقها، بما يتجاوز ما يريده ويرجوه نائب الرئيس السوري السابق. ويمكن القول ان مصلحتين تقاطعتا في هذا المجال، ليصدر كلام نائب الرئيس السوري متزامناً مع محاولة لتخفيف الضغط السوري على لبنان في تلك الآونة.

لم تلبث هذه القضية ان طويت، وتجاوزتها وقائع الهجومات المتبادلة بين سورية والمجتمع الدولي على الساحة اللبنانية. وبدا للحظات ان هذه الجهة حققت انتصاراً على تلك ثم لا تلبث الأحداث والوقائع والمفاجاءات ان ترجح كفة الطرف الآخر في الهجوم، وان تعيد زمام المبادرة إلى يده. وما جرى في الأسابيع القليلة الماضية يكاد يكون اوضح دليل على هذه المبارزة الطويلة النفس.

استطاعت سورية بتحالفها مع ايران وعبر حلفائها اللبنانيين، ان تثبت رئيس الجمهورية في موقعه حتى نهاية ولايته. ويجمع المراقبون المحليون والدوليون على ان موضوع تنحية رئيس الجمهورية او تقصير ولايته اصبح خارج النقاش. إلا إذا حدث ما لم يكن في حسبان احد على حد ما يصرح سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية لصحيفة "السفير" البيروتية. لكن هذا التثبيت لم يفتح باب تغيير الحكومة على مصراعيه كما كان يأمل الجانب السوري. بل بات واضحاً للعيان ان الأمور في لبنان استقرت على توازن دقيق لا يستطيع فيه اي طرف ان يفرض منطقه او توجهاته على الطرف الآخر. فعلى نحو ما طوي موضوع إقالة رئيس الجمهورية وانتقل البحث إلى موضوع سلاح المقاومة، يبدو ان موضوع الانتخابات النيابية المبكرة التي يطالب بها حلفاء سورية، وتغيير الحكومة قد طويا ايضاً. ليستقر البلد على ستاتيكو من الجمود لا يتيح التقدم في اي مجال من المجالات.

على هذا ترجح الدوائر الدبلوماسية الغربية ان يعمد الطرف السوري إلى تغيير في خطة الهجوم، مما يسمح له بخلط الاوراق مجدداً. وجبهات هذا الهجوم، على ما يرى السيد وليد جنبلاط، ليست بعيدة كثيراً عما يجري في ينطا ودير العشاير البقاعيتين حيث ترابط قوات فتح – الانتفاضة وتعزز مواقعها وتستقددم تعزيزات عسكرية من الداخل السوري تحسباً لمواجهة عسكرية محتملة مع الجيش اللبناني.

لا احد يصدق في لبنان ان الحادث الذي حدث في البقاع الغربي وذهب ضحيته المجند في الجيش اللبناني مصطفى مثلج فردياً وبسبب عناصر غير منضبطة. على اي حال هذه العناصر غير المنضبطة هي التي اضطلعت بمعظم ادوار وفصول الحرب الأهلية واشدها مرارة وسواداً وقسوة. ويرجح المراقبون ان الهجوم السوري المرتقب قد يعتمد مثل هذا الباب او قد يلجأ إلى توتير الحدود اللبنانية – الاسرائيلية بعد شهور من الهدوء. وفي هذا المجال يذكر هؤلاء بوعد السيد حسن نصرالله لعميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية سمير القنطار بأن يوم تحريره قد بات قريباً جداً، مما قد يعني ميدانياً توتيراً ما على الحدود لتحريك هذه القضية التي تهم اللبنانيين عموماً والمقاومة التي يضطلع حزب الله بأعبائها خصوصاً، لكنها قد تفيد المشروع السوري من وجه آخر.
في الجهة المقابلة يبدو الحصار الدبلوماسي لسورية جارياً على قدم وساق. بل وقد تجاوز موضوع الحصار كل حد، نظراً للاستقبال المميز الذي خص به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعيم كتلة المستقبل النيابية الشيخ سعد الحريري. والتصريح الذي اعلنه الحريري بعد الزيارة.

وليس خافياً في هذا المجال الدور الذي لعبه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في ترتيب هذه الزيارة على الشكل الذي تمت فيه. مما يعني ان الحليف الروسي الموضوعي لسورية وايران في مجلس الامن ليس راضياً تمام الرضا عن الأداء السوري ولا يستطيع ان يدعمه على طول الخط. بل ويؤسس اللقاء بين الزعيم اللبناني والرئيس الروسي لعلاقة بين لبنان وروسيا من نوع آخر هي في معنى من المعاني فتح دبلوماسي للبنان، ولفريق 14 آذار تحديداً، ومزيد من المحاصرة لسورية ومشروعها في لبنان.

من جهة ثالثة ينصح هؤلاء المراقبون بمراقبة معنى التصويت في مجلس الأمن على القرار 1680، بالصورة التي تم عليها. فأن تصوت دولة عربية مع القرار وهو يدين سورية ويدعوها للامتثال، وهو ما اعتبرته سورية سابقة خطيرة وتدخلاً سافراً في شؤون بلدين مستقلين، فإن هذا يؤشر إلى حجم العزلة التي بلغتها سورية على الصعيد الدولي والعربي. وان لم يكن وارداً حتى اليوم ضرب الاستقرار في سورية والدخول في مغامرة من هذا النوع عربياً، فإن ذلك لا يعني ان المدى العربي الداعم للأداء السياسي السوري يستطيع ان يبقى على الصورة نفسها التي ظهرت حتى اليوم. ايضاً وفي ما يتعلق بالتصويت ونتائجه، كان لافتاً ما صرح به النائب سعد الحريري عن موقف الرئيس بوتين من القرار، حيث رأى ان روسيا ستنصح سورية بالامتثال للقرار وحسن تطبيقه، لأن الاعتراض عليه والمماطلة فيه ليسا من مصلحتها على الإطلاق.

لم تخسر سورية كافة اوراقها في هذه المنازلة. لكن الرياح الدولية تتجه حثيثاً نحو عزلها او تجميدها في ثلاجة التوتر. واذا ما راقبنا اعمال دافوس شرم الشيخ هذا العام وما تطرقت إليه كلمات الزعماء والرؤساء وخصوصاً كلمة الرئيس المصري حسني مبارك، نستطيع ان ندرك حجم الهوة التي تفصل الخطاب السوري اليوم عن نظيره المصري، لجهة ارتباط الأخير بما يجري في العالم اليوم، في حين يدافع الاول عن بقاء الامور على ما هي عليه حتى لا يخسر كل شيء دفعة واحدة.