وسط تجاذبات دولية جاء القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن بخصوص سورية ولبنان وباجماع 13 دولة من أصل 15 ليحدث حركة جديدة في الرمال المتحركة بين البلدين, القرار الجديد يطالب سورية بترسيم حدودها مع لبنان وبإقامة علاقات ديبلوماسية معه, هذه المطالبة تتضمن في الوقت نفسه طلباً دولياً من سورية وضمنياً من ايران بالتعاون من أجل نزع سلاح المجموعات المسلحة في لبنان (المقصود حزب الله), ويتبين مجدداً مدى اصرار الموقف الدولي وخصوصاً الأميركي والفرنسي والبريطاني في الضغط لصالح حماية الحدود اللبنانية وتقوية الاستقلال اللبناني نسبة لقدرات سورية في السيطرة عليه, ويذكر هذا الوضع، وإن كان بطرق ووسائل مختلفة، بالظروف التي حملت مجلس الأمن على السعي لترسيم الحدود بين الكويت والعراق, ولقد امتنعت كل من الصين وروسيا عن التصويت على القرار الدولي بشأن سورية ولبنان بكل ما يعني ذلك من تخوف تعبر عنه هاتان الدولتان تجاه تطورات الأحداث السورية - اللبنانية.

ومنذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في لبنان، كلما هدأ الوضع السوري - اللبناني نجده يعود الى التحرك بحكم الملابسات الصعبة المرتبطة بالاغتيال, فهناك قضية التحقيق التي ما زالت من دون الوصول الى نتائج واضحة ومواقف نهائية، وهناك قضية الصراع الذي برز بين زعماء لبنان: حزب الله وتيار عون من جهة، وبقية التيارات اللبنانية من جهة أخرى, ففي هذا الصراع ما زالت غالبية اللبنانيين تريد الوصول الى نتيجة واضحة في التحقيق, وفي الوقت نفسه يسعى حزب الله لحفظ توازن المعادلة اللبنانية بما يعطي لسورية دوراً في لبنان, لهذا، فالصراع اللبناني - اللبناني والسوري - اللبناني مرشح للاستمرار في المرحلة المقبلة محدثاً أزمات سياسية وحكومية في كلا البلدين.
إن المسألة الأكثر خطورة بين البلدين هي قضية اغتيال الحريري، ومدى تورط عناصر مسؤولة في ذلك الوقت من كلا البلدين, أما المسألة الثانية في الخطورة فهي قضية سلاح حزب الله، وأسلحة المخيمات ومدى مقدرة سورية في الرد على اتهامات التحقيق من خلال تحريك الصراعات اللبنانية مع كل من حزب الله والمخيمات, لكل طرف قدراته وأدواته، ولكن بشكل أو بآخر لن يكون ممكناً تحكم سورية في لبنان ولن يكون ممكناً التهرب من أن يطيح التحقيق برؤوس مهمة، ويخلق بالتالي فراغات سياسية.

إن المؤسف في هذا كله على الصعيد العربي ان الدول العربية لم تستطع ان تضع حداً لهذا النمط من التعامل العربي - العربي الذي يفتح الباب للتدخل الدولي, العراق في الكويت في السابق, وسورية في لبنان اليوم كلها تعكس سطحية وهشاشة الميثاق العربي, لم يكن العراق، ليخسر شيئاً لو لم يقدم على احتلال الكويت، ولو رسم الحدود قبل أن تفرض ذلك التدخلات الدولية, ولن يضر سورية على الاطلاق ولن يضر عروبتها ان تفتح سفارة في لبنان وترسم حدوداً متعارفاً عليها. أستاذ العلوم السياسية