في مصر، القضاة يتظاهرون ضد الحكومة والشرطة تتصدى وتعتقل.

وفي سورية، رغم الحصار الدولي، حملة توقيفات بالجملة للناشطين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وفي لبنان، «حوار طرشان» عبثي بين قادة الطوائف التي اختصرت حقاً الحياة السياسية.

وفي فلسطين، مأساة إنسانية تتكامل سياسياً وأمنياً تحت نير الاحتلال... وناره.

وفي الأردن، مشروع فتنة مع وقف التنفيذ لنسف كيان قام أصلاً وفق صفقة.

وفي العراق، احتلال أجنبي وشرعية منقوصة واختلال كامل في معادلتي المواطنة والتوافق.

وفي منطقة الخليج، بحبوحة «فوارة» مهددة جدياً بتداعيات المواجهة الغربية ـ الإيرانية.

بالمختصر المفيد، إذاً، منطقة الشرق العربي في حال لا تسر عدواً ولا صديقاً، وهي تتفاقم باطراد أمام خلفيتين اثنتين:

الأولى تتمثل بوجود قيادة «آيديولوجية» في الولايات المتحدة اقتنع منظروها، حتى قبل 11 سبتمبر (إيلول) 2001، أن خير وسيلة لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ـ المتضمنة حكماً مصالح إسرائيل ـ هي فرض «الديمقراطية» على كياناتها... ولو بالقوة!

والثانية هي انعدام «آلية حل الأزمات» في معظم عواصم القرار العربي، حيث قراءة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية إما مجزوءة أو مغلوطة أو ارتجالية... أو «الخلطة» الكارثية كلها متكاملة.

تفاؤل البعض بتغيّر ما في حماسة واشنطن لمشروع «الشرق الأوسط الكبير» ـ بسبب «نكسات» الوضع العراقي ـ لا يبدو في محله، بدليل أنه لم يرف جفن لا للإدارة الأميركية ولا لحليفاتها الأوروبيات بعدما اقترع أبنــاء الأراضي الفلسطينية المحتلة لصالح حركة «حماس».

فلا مبدأ الديمقراطية شفع للخيار الشعبي الفلسطيني المستقل، ولا القلق من رد فعل عربي غاضب حال دون مضي واشنطن وحليفاتها الأوروبيات في معاقبة حكومة «حماس». أما السبب الطريف للمعاقبة فهو إصرار «حماس» على رفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود قولاً وكتابةً، بينما الكل يعرف «وجود مَن» هو المهدد بالخطر ... أهي إسرائيل القوة النووية والتكنولوجية المتمتعة برضى «القطب العالمي الأوحد» اليوم... أم ما تبقى من وجود فلسطيني فوق 13% فقط من أراضي «فلسطين قبل 1948»!

أمر آخر لافت، هو أن «نكسات» العراق لم تحل حتى الآن دون مواصلة واشنطن وحليفاتها الضغط السياسي على دمشق. وكان آخر الغيث القرار 1680، الذي اعتبره المسؤولون السوريون «استفزازاً» لمطالبته سورية بترسيم الحدود مع لبنان وتبادل التمثيل الدبلوماسي معه.

والواضح، مما دار في مجلس الأمن الدولي، أن الإدارة الأميركية بالرغم من تحاشيها فتح معركة ضد سورية قبل الانتخابات النصفية للكونغرس (في الخريف المقبل)، لا تبدو متخوفة كثيراً من تضامن روسيا والصين مع الموقف السوري ومسارعتهما للدفاع عنه. اما دمشق فتتجاهل بتعليقها ان ادخالها قواتها الى لبنان عام 1976 ... انما جاء اصلا بموافقة دولية.

طبعاً، قد تكون الإدارة الأميركية مخطئة في استخفافها الظاهر بخصومها الإقليميين. وربما تدفع الثمن في الانتخابات النصفية بصورة خسارة الجمهوريين السيطرة على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، لكن حسابات الربح والخسارة أخطر وأدهى بكثير بالنسبة للجانب الآخر.

فثمة شك كبير باستناد عدد من أنظمة الحكم العربية إلى دعم شعبي حقيقي كافٍ لتحصينها ضد «العدوان» المحتمل. ومجازفة بعض الأنظمة بمواجهة تقوم على معطيات أو فرضيات خاطئة تنطوي على خطر بالغ.

ثم أن عادة اختلاق المعطيات ثم تصديقها أضحت «سياسة رسمية» معتمدة في الخطاب السياسي السلطوي وأبواق الإعلام الرسمية وشبه الرسمية. في حين أن المطلوب البدء ـ ولو متأخراً ـ باحترام الشعب المفترض أنه بلغ سن الرشد، وما عاد مضطراً لدروس تلقينية ومواعظ إرشادية يومية.

ففي نهاية المطاف، أي حكم في العالم لا يمكن أن يحميه الجائع والجاهل والذليل والمحروم. وإذا كانت هناك حقاً رغبة في حماية الوطن من تآمر الأعداء ... فالحل الأسلم هو بالاعتماد على وعي الشعوب وأحرارها، لا الامعان في تضليلها من منطلق الخوف منها.