هل يستجيب العماد ميشال عون دعوة السفير السابق جوني عبده بان يعيد النظر في موقفه وموقعه فيقلب عندئذ الاوضاع رأسا على عقب؟

السفير عبده اعلن في حديث الى برنامج "صالون السبت" للزميلة ورده من اذاعة "صوت لبنان" انه حزين لموقف العماد عون معتبرا "انه لا يزال لديه وقت غير طويل كي يعود الى موقعه في قوى 14 آذار، او حتى يقودها، فاذا حصل ذلك تقف سوريا عند حدود عدم التدخل، وانه يجب ان يقدم سيادة لبنان واستقلاله على التحقيق المالي والمساءلة". ولاحظ ان شعارات العماد عون في باريس باتت مختلفة عن شعاراته وهو في الرابية.

الواقع ان قوى 14 آذار تعثرت ان لم تكن قد اخفقت في اكمال عملية التغيير لانها لم تكن تتوقع ان يبتعد العماد عون عنها او تبتعد عنه لاسباب شتى بعضها يتعلق بتأليف اللوائح الانتخابية وبعضها الآخر يتعلق بتشكيل الحكومة. وابتعاد العماد عون ادى الى قلب التوازنات السياسية الداخلية والتحالفات فجعل قوى 8 آذار متوازنة بفعاليتها مع قوى 14 آذار ومكّن الاقلية النيابية من التحكم بالاكثرية، الامر الذي حال دون استكمال عملية التغيير كي يستعيد لبنان سيادته الكاملة ويطلق مشروع بناء الدولة الحديثة الديموقراطية، كما حال دون تقرير مصير الرئيس لحود كبند اساسي من بنود هذا التغيير الذي بات مرتبطا بالتوافق بين الاكثرية والاقلية على اختيار الرئيس العتيد للجمهورية والا تعذر على الاكثرية تأمين نصاب الثلثين لهذه الغاية، وهو ما جعل عملية التغيير تراوح مكانها والبلاد تدخل مرحلة الجمود او مرحلة انتقالية مضطربة تشهد شد حبال بين اكثرية تريد اكمال عملية التغيير بدءا برئاسة الجمهورية، واقلية تشترط لاجراء هذا التغيير ان يكون خلف الرئيس لحود مقبولا منها.

وقد ازدادت الاقلية قوة بانتقال العماد عون من موقع الى آخر فبات على الاكثرية ان تتفق مع اي من القوى الثلاث: حركة "امل"، "حزب الله"، "التيار الوطني الحر" للتمكن من اكمال عملية التغيير. وبما ان حركة "امل" لا تستطيع الانفكاك عن "حزب الله"، فان عودة العماد عون الى قوى 14 آذار هي التي تمكنها من اكمال عملية التغيير اذ يصبح في الامكان تأمين حضور ثلثي عدد النواب الجلسة التي تخصص للبحث في اختصار ولاية الرئيس لحود الممددة. وهذا ما يدعو اليه السفير السابق جوني عبده العماد عون تحقيقا لشعاراته، وهي شعارات قوى 14 آذار في التغيير وفي قيام الدولة الديموقراطية الحديثة، لا بل يدعوه الى قيادة هذه القوى نحو التغيير الكامل.

لكن ما يؤسف له حسب عبده هو ان السياسة في لبنان عند بعض القيادات هي سياسة مصالح ونكايات. فعندما كانت فئة كبيرة من المسلمين في الاربعينات مع الاستقلال ورفع العلم اللبناني، كانت فئة مسيحية مع فرنسا ترفع علمها وصورة الجنرال ديغول، وعندما انتقلت اليوم فئة كبيرة من المسلمين من موقع الولاء لسوريا الى موقع الولاء للبنان، راحت فئة مسيحية تنتقدها وتذكرها بماضيها بدل ان ترحب وتشيد بها اذ لولا هذا الانتقال لما نجحت انتفاضة 14 آذار في حمل القوات السورية على الانسحاب من لبنان واستعادة السيادة والاستقلال، لان فئة لبنانية ما كانت تستطيع وحدها تحقيق ذلك، وما يؤسف له اكثر ان فئة مسيحية ردت على انتقال فئة من موقع الولاء لسوريا الى موقع الولاء للبنان، بالانتقال من موقع الولاء للبنان الى موقع الولاء لسوريا وتهتف بحياة الرئيس الاسد والرئيس الايراني محمود نجاد وترفع صورهما في التظاهرات... وكأن شيئا لم يتغير في الحياة السياسية في لبنان منذ الاربعينات الى اليوم...

لقد اعلن البطريرك صفير في حديث الى قناة "العربية" ان "ما قسّم المسيحيين الى قسمين، ولا ادري اذا كانت هذه القسمة هي لمصلحة المسيحيين ام لعدم مصلحتهم، هو ان جعجع في مكان والجنرال عون في مكان آخر"، وقال بالنسبة الى نظرته الى تحالف العماد عون مع قوى شيعية وتحالف جعجع مع قوى سنية "يجب ان يكون هناك توافق على الثوابت وهي مثلا الاستقلال والسيادة والحرية وان يكون لبنان بلدا يحكم ذاته بذاته، فهذه امور يجب الا يكون عليها انقسام بل وفاق تام". واكد "أن لبنان بلد ديموقراطي موحد، فعندما تختار كل طائفة من يترأسها اصبح في لبنان دويلات عدة ونحن نريد لبنان بلدا موحدا ولا نريد دويلات فيه". وعن قول العماد عون انه سيدافع عن رئيس البلاد في مواجهة الحملات التي يتعرض لها قال سيد بكركي: "نحن كلنا ندافع عن موقع الرئاسة وعن هيبتها ولكن عندما تفرغ من مضمونها فلا يكون هناك مجال لاحترام الرئاسة".

وقال رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع في حديث اذاعي "ان لا خلاف بينه وبين العماد عون لكن لديه تصورا في موضوع الرئاسة الاولى فيما العماد عون له تصوره ايضا، وقد اجتمعنا بهدف ان يكون التصور بيننا واحد وتقاربنا في كثير من النقاط، الا في موضوع رئاسة الجمهورية، وكان الافضل لو تفاهمنا ليس استراتيجيا فحسب، انما ايضا تكتيكيا، اذ لا يجوز القاء اللوم جزافا على الجميع في حال عدم الوفاق"، واضاف: "ان المصلحة الوطنية العليا هي الاهم"، واستغرب "كيف ان الظروف شاءت ان الحكومة التي يتصدى لها "حزب الله" وحركة "امل" والعماد عون هي الحكومة نفسها التي يتصدى لها السوريون والفلسطينيون بالسلاح".

والسؤال المطروح هو: هل يكون العماد عون هو رجل الانقاذ بعد عودته الى البلاد كما كان هو هذا الرجل وهو في باريس. فيصير توافق على شخص رئيس الجمهورية العتيد وفق المواصفات التي حددها البطريرك صفير وهي: "ان يكون رئيسا على مسافة واحدة من جميع الناس وان يكون رجلا ذا خبرة وموثوقا به ومتجردا فلا يأتي الى الرئاسة لكي يملأ جيوبه هو ومن حوله، ويذهب. فالرئاسة هي خدمة ولبنان يحتاج الى رجل ذي مصداقية ينهض به". يقول قطب سياسي ان تخلي العماد عون عن الترشح للرئاسة الاولى واستعداده للبحث في مرشح تنطبق عليه المواصفات التي حددها البطريرك صفير، هو الذي يؤهله لقيادة حركة الانقاذ والتغيير. فكما انتقل من موقع الى موقع آخر، فان هذا الانتقال ينبغي ان يجعل من انتقل اليهم ينتقلون معه الى الموقع الذي ينقذ لبنان ويقيم الدولة القوية القادرة ذات السيادة الكاملة والاستقلال التام، والا فان خصومه قد يحملونه مسؤولية استمرار الوضع الشاذ في البلاد واستمرار حكم الرأسين المتصارعين وذلك بفعل التوازن الداخلي السلبي الذي ما كان ليتحقق لو لم ينتقل العماد عون من موقع الى آخر، وهو انتقال ساهم في وقوع البلاد في حالة جمود وشلل.