يقول وزير الثقافة العراقي السابق سامي شورش ان الدول الكبرى في العالم العربي تتجه الى الاستقرار، بعكس الدول الصغيرة. وأعطى على نظريته مثالين: الكويت ولبنان. واعتقد ان من اسوأ ما حدث للبلدين انه لم يقدّر لهما مؤرخ يضع تاريخهما الحقيقي. ولو وجد مثل هذا الكتاب وألزمت به المدارس لتغيرت امور كثيرة في ممارسة السياسة اليومية، سواء من قبل اصحاب الضمائر الوطنية او من قبل المرتزقة والمهجرين والصنّاجين.

الدولة المستقلة في الكويت ليست منة تبرع بها زعاقو مجلس الامة. استقلال الكويت وكيانها وموقعها مسعى تاريخي وسعي دائم ومهارة فائقة في عالم عربي جشع ومضطرب ومتحرك ولا يتورع عن شيء. لم يأت الاستقلال الى الكويت في وقت القيلولة. لا الاستقلال الاول ولا الاستقلال الكبير. لقد كان من صنع رجال اذكياء ومحنكين برغم عصر البداوة والشظف. وبعد الاستقلال الاول نحتت الكويت لنفسها، ايضا بمهارة وذكاء، مكانها وموقعها في العالم العربي. وراحت ترسم لنفسها صورة دولة يحتاجها العالم العربي كله، وليس اهلها وحكامها. وكان صباح الاحمد احد ابرع الاركان الذين لعبوا هذا الدور. وعندما احتل العراق الكويت وألحقها بمحافظاته وعين سفاكا معلنا وليا عليها، نجحت مرة اخرى في الخروج الى الوجود واستعادت حريتها. وبدل ان تعلن حالة الطوارئ، التي تعلن في العالم العربي وتنسى الى الابد، احيت الحرية في جميع المؤسسات: الصحافة والبرلمان والجامعة وكل مكان.

لكن مأساة الكويت بعد الاستقلال الاول وبعد الاستقلال الكبير ظلت تلازم نبع التخريب على الحريات وعلى الاصول الديمقراطية التي يفهمها البعض على انها مباراة في الصراخ وفي تلمس الظلام. لقد تصرفت بعض الجماعات البرلمانية، اولا وأخيرا، على انها معادية للدولة لا للحكومة، ومتواطئة مع رياح الخارج، وساكتة عن اعمال الاحتلال وآثاره. الاقليات المزعقة لا تريد ضبط تصرف الحكومات بل تعمل لخلخلة صمود الدولة. ولا تنفك تقسم الناس وتحرّض على العمل المؤسساتي في عنف لفظي اسوأ بكثير من العنف الجسدي واكثر حقدا منه. ولا اريد ان اتراجع عن قولي ان المغرب والكويت هما التجربتان الديمقراطيتان الوحيدتان في العالم العربي. ولكن نسيت ان اوضح. ان الفضل في ذلك يعود الى الدولة الكويتية وليس الى فرقة الصناجين و«الدبيكة». من دبكة!