المشكلة في إعلان بيروت – دمشق تتجاوز "الاعتقالات" أو أسماء الموقعين عليه، لأن الحرص على العلاقات بين البلدين تخترق السياسة ولا تحتاج في نفس الوقت إلى العبارات التي اعتدنا على سماعها منذ عقدين. فالإعلان المعبر أولا وأخيرا عن موقف سياسي نقل "أزمة" المعارضة السورية إلى داخل خطابه المليء بـ"القلق" و "المصدوم" بحجم التوتر السياسي، لكنه لا يستند إلا على الموقف ويتجاهل في نفس الوقت أن العناوين العريضة هي بوابة الخلاف، بينما يعبر النفاذ إلى المصالح الفعلية تيارا حقيقيا يقفز دائما فوق الأزمة السياسية.

إعلان بيروت – دمشق هو رأي "النخب" على الأخص في سورية، والأزمة كما يبدو ليست في وجود النخب بل لكونها مازالت تعتقد أن "الموقف السياسي" يخلق حلقات متتالية تصل في النهاية لتكوين رأي عام ... وما بين بيروت ودمشق تشابك تجاوز "الموقف" لأنه دخل فعليا مجال "النخب" غير الثقافية التي مارست الاستثمار على طرفي الحدود وتملك مصالح بين العاصمتين، وهي ربما تبحث عن دور آخر من "النخب الثقافية" يفتح مجالا لنقاشات تعيد ما يطرح على الطاولة السياسية إلى مواضيع "حياتية" ربما تبدأ بطبيعة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري وصولا إلى التأثير الإعلامي الذي يتوجه حتى اللحظة من بيروت إلى دمشق.

ربما كان من المتوقع أن يتجاوز "الإعلان" خطابه الشهير ليخترق الموقف السياسي نحو الأزمة الاجتماعية التي يخلقها التباعد اليوم. فالمسألة ليست "الهجوم" على الإعلان أو "الهجوم المعاكس" حول الإجراءات التي مورست بحق بعض الموقعين عليه، إنما الخروج من الآلية التي تحكم التعامل مع كل قضايا الشأن العام، فتجميع "المواقف" السياسية داخل أوراق توزع على الإعلام فقدت أغراضها نتيجة تسارع الحدث. ولم يعد بالإمكان ممارسة أساليب القرن الماضي في خلق "رأي عام" قادر على انتشال العلاقة السورية – اللبنانية، لأن "الرأي العام" يتعامل مع واقع وشبكة مصالح وهو لا يمكنه تكسير هذه "الشبكة" بمجرد إعلان المواقف ...

حتى اللحظة يبدو "الإعلان" حالة يتيمة ولدت عبر "رسم التواقيع" ونجحت بالفعل في خلق "ضغط سياسي" على سورية، سواء بشكل مباشر نتيجة الإجراءات التي قامت بها الحكومة ضد بعض الموقعين، أو عبر خلق انطباع بنوع من التناغم السياسي ما بين "المعارضة السورية" و "النخب" اللبنانية، فهل يمكن لهذه الآلية وضع خطوة لإنقاذ العلاقات بين البلدين؟!! سؤال ربما يحتاج لأكثر من طرح "إعلان"، لأن التعبير عن الرأي كحق مقدس يجب أن لا يبقى أسير الآليات "السياسية" فقط .. بل أيضا إلى جهد داخل شبكة المصالح القائمة فعليا اليوم بين البلدين.