شاءت حماس أم أبت ، هي الآن الأخ الأكبر المطلوب منه استيعاب حماقات الأخ الأصغر ، وبقية الاخوة الأعداء والأعدقاء والأعداء أيضا. مصير الشعب الفلسطيني يتعلق الآن بالكيفية التي تتصرف بها في المحنة التي انجرت إليها أو سعت هي للوقوع في براثنها.

ومن أجمل ما قرأت في هذا السياق فهم فريد لصراع ابني آدم قابيل وهابيل ، يقترب كثيرا مما نحن في صدده: مبدأ ابن آدم يمثل صراعاً بين الحق والباطل أو بين الباطل والباطل ، على أربعة أشكال: الأول: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين. فهذا الرادع هو الخوف من الله.

والثاني: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك لأني أخافك.
والثالث: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني أنا باسط يدي إليك لأقتلك. فهذا هو رادع التهديد.
والرابع: لا أنا باسط يدي إليك لأقتلك ولا أنت بباسط يدك لتقتلني لأننا نخاف دمار كلينا ـ مذهب العقلانية ـ فهذا الرادع هو الخوف من الدمار.

فأما رادع الخوف من الله فلا يمكن تعويضه أو تبديله برادع الخوف من الدمار لضمان سلام العالم. فهل رادع الخوف من الدمار وحده كافْ لإنهاء الحروب ليحل السلام في العالم أم السلام بالإسلام الذي هو السلام الحقيقي؟ أعتقد أن ما بين فتح وحماس هو أقرب ما يكون لخيار: لا أنا باسط يدي إليك لأقتلك ولا أنت بباسط يدك لتقتلني لأننا نخاف دمار كلينا ، وهنا نعول كثيرا على حكمة وتضحية حماس ، وحرصها الأزلي على حقن الدماء الفلسطينية المحرمة ، فطيلة سنوات حافظت حماس على هذه الحرمة ، وربما بنفس القدر أو أقل قليلا حافظت بقية الفصائل ، وبعضها ربما حافظ بقدر أكثر ، والمطالع لسجل التجاذبات الفصائلية يدرك أن خطا أحمر ظل يضيء بقوة كلما اقتربت الأمور من لحظة الاقتتال الداخلي ، ولعلنا الآن أكثر ما نكون حاجة لتذكير حماس بأن الدم الفلسطيني اغلى بكثير من السلطة ومن امن حماس الشخصي ، فقد نالت السلطة من هذا الأمن مرارا وتكرارا ، وعضت حماس على الجرح ولم تبادل الأشقاء نارا بنار ، ولا دما بدم ، والأحرى بها اليوم أن تجد طريقا ما للحيلولة دون الانزلاق لما يحب اليهود وأشياعهم أن يقع ،

وبعد ، لقد قص علينا القرآن الكريم أن البشر حين كانوا أسرة واحدة ، أبناء لأب واحد ، وأم واحدة ، وجد منهم الشرير القاسي ، الذي قتل أخاه بغير ذنب ولا جريرة: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) إلى أن قال: (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) المائدة ، ونحن لا نريد لأبناء الشعب الواحد أن يكونوا من الخاسرين ، الذين يخسرون الدنيا والآخرة ، ويشفوا غليل المتربصين بهم ، ممن يحرصون على إيقاد نيران الحقد ، وتزويدها بالجمر الوقاد، ،