من الصعب التفكير بنوعية "السيناريوهات" التي تطرحها التحليلات السياسية حول سورية، فهناك "رواية سياسية" مبنية على وقائع المؤتمرات الصحفية الأمريكية وعلى طبيعة الإجراءات السورية، سواء تجاه المعارضة أو حتى من الوضع اللبناني. وهذه الرواية توصل البعض إلى التبدل "الأكيد" في سورية معتبرين أن انحسار الدول الإقليمي لها سيحد قدرة "النظام" السياسي وبالتالي سيأتي التغيير "الأكيد".

والقضية ليست في موضوع "التغيير" لأنه من طبيعة الحياة، لكنه في "التأكيدات" و "السيناريوهات" و "الرواية" السياسية التي تبدو في كثير من الأحيان أنها تحاكي تجارب سياسية سابقة للولايات المتحدة. فالحديث عن سيناريو هو في النهاية نوع من التحييد لحركة المجتمع الذي يبدو أنه يسير بشكل درامي نحو "تصعيد" الصراع، وفق ما تم رسمه من "مؤامرات" أو "استراتيجيات" أو حتى "أحداث" .. وهذا المجتمع المحايد يتعامل مع الحدث دون معاكسة أو موافقة لأن "التصعيد" الدرامي أو السياسي أمر مرسوم سلفا.

وربما لا حاجة للبحث كثيرا حتى نتلمس مؤشرات متناقضة في العديد من السيناريوهات والروايات التي تم وضعها حول الموقف السياسي السوري، لأن البوابات نحو سورية مختلفة والوضع الداخلي السوري أيضا لا يحمل حتميات خارجية ... فالرهان على "العزلة" أو "الضغط" أو "انحسار" الدول الإقليمي تحمل الاحتمالات فقط، وهي أيضا صورة بائسة وليست حلما يجعل "الرواية" السياسية براقة أو يمكن استخدامها كحملة إعلامية على سياق الألوان التي اجتاحت جورجيا او أوكرانيا أو لبنان. فهذه الألوان تبدو اليوم مختلطة بجملة من الخيبات الإقليمية، وهو ما يجعل "السيناريو" يعاني من "مآزق" درامية حسب مصطلحات كتاب الدراما التلفزيونية.

عمليا فإن الحديث عن "تأكيدات" التغير هو رهان على المستقبل الذي لا يحتمل المساومة، لأن عالم اليوم يبدو صورة لافتراق المفاهيم بدلا من تجميعها في زمن العولمة، والتعامل مع "التأكيدات" هو نوع من تحديد نماذج نمطية وصورة واحدة لعمليات التغيير، وهو امر يوقع المجتمع في عملية الافتراق التي تُرسم اليوم من العراق إلى فلسطين. لذلك لا يمكن المساومة على المستقبل بهذا الشكل الذي نظهر فيه وكأننا "أحجية" استطاع البعض حلها ويقدمها على صفحات الإنترنيت أو الإعلام المطبوع والمرئي.

في صورة سورية "خلفيات" أعقد من إسقاطها على تحليلات سريعة أو روايات سياسية يتم بناؤها بشكل سريع، والمسألة لا تمس مقولات التغيير او الإصلاح أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان، إنما عمق الجغرافية – السياسية التي تحتاج لبناء وليس لحالة انقلابية تجعل من التنوع حالة تناقض صارخ على سياق "النماذج" الجاهزة والنمطية التي شهدناها في العقدين الأخيرين. فالمساومة على المستقبل لصالح "التأكيدات" و "السيناريوهات" لن يحرمنا التجربة فقط بل سيجعلنا أيضا ضمن حسابات تنفي قدرتنا على التعامل مع تنوعنا وانفتاحنا وقراءة تاريخنا أو حتى رسم الغد كما نراه.