الرأي العام

ربما للمرة الاولى منذ بدء الأعمال العسكرية التي بدأتها القوات الأميركية والبريطانية في العراق قبل أكثر من ثلاث سنوات، اعترف كل من الرئيس بوش وضيفه رئيس الوزراء البريطاني الزائر توني بلير ليل أمس الأول بوقوع أخطاء ومواجهتهما نكسات في العراق, ولكن الزعيمين، اللذين يواجهان متاعب سياسية متعاظمة في بلديهما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لم يكشفا عن أي برنامج زمني لبدء سحب قواتهما من الأراضي العراقية، وهو ما أشّر للمراقبين إلى أنه ربما مثل انعكاسا لإدراكهما بأن الأوضاع الأمنية لا تسمح حتى بانسحابات عسكرية جزئية من العراق كان بوش - على الأقل - يطمح في البدء بتنفيذها قبل انتخابات الكونغرس في نوفمبر المقبل لتخفيف الضغط على حلفائه أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين يواجهون احتمالات سيئة بسبب الحرب العراقية.
وكان بوش أكثر استعدادا للاعتراف بوقوع أخطاء في حرب العراق أكثر من أي وقت مضى، بل ونكسات ومفاجآت، وهو ما لم يسبق له أن فعله منذ بداية الغزو الأنغلو أميركي للعراق في العام 2003. وقال في مؤتمره الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء البريطاني بلير بعد انتهاء أولى جلساتهما في البيت الأبيض ليل الخميس/الجمعة، إنه «بالرغم من النكسات والهفوات، فإنني لا زلت أعتقد بقوة أننا فعلنا الأمر الصائب ولا زلنا,» ولكنه أضاف أن «كل الأمور لم تحدث بالطريقة التي كنا نأمل بها,»
كذلك أقر بوش، وللمرة الأولى أيضا، بأن بعض عباراته التي أطلقها في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، مثل «أريده حيا أو ميتا» في إشارته إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، و»فليأتون إن كانوا رجالا!» في تحديه لجماعات التمرد العراقية في بداية عهدها, وقال بوش إن هذه العبارات قد تكون «أسيء فهمها في أنحاء معينة من العالم,» وقال إنه «ربما تعلم بعض الدروس بشأن ضرورة التعبير عن نفسه بطريقة أرقى في المرات القادمة,» كما أقر بوش بأن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه القوات الأميركية في العراق كان معاملة السجناء العراقيين في سجن أبو غريب التي قال «إننا لا زلنا ندفع ثمنها منذ فترة طويلة,»
أما بلير فقد اعترف بأن قوات التحالف قد ارتكبت أخطاء كبيرة في العراق، من أهمها، حسب رأيه، حل الجيش وقوات الأمن العراقية والتقليل من قوة حركة التمرد العراقية المسلحة وإبعاد البعثيين عن دوائر الحكم في العراق, وقال بلير، الذي قام بزيارة مباغتة إلى بغداد الأسبوع الماضي التقى فيها رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي، إنه عاد من العراق «معتقدا أن التحدي أمامنا لا زال هائلا، ولكنني عدت مقتنعا أكثر أيضا بأن علينا أن نكون على قد المسؤولية,» وكان بلير قد أطلع في جلسة مباحثاته الأولى مع بوش الأخير على نتائج مباحثاته وانطباعاته عن رئيس الوزراء العراقي الجديد وتقيمه للأوضاع الأمنية والسياسية في العراق بعد أكثر من ثلاث سنوات على احتلاله.
وأعرب بلير عن ندمه على الطريقة التي تم بها تطهير الحكومة والجيش وقوات الأمن العراقية من أنصار الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بعد فترة وجيزة من احتلال بغداد, كما أعرب بلير عن اعتقاده بأن التحالف قلل من قوة حركة التمرد العراقية, وقال إنه «أن ينبغي أن يكون ذلك واضحا لنا منذ البداية,»
ولكن بوش وبلير، وكما في السابق، رفضا الإفصاح عن أي جدول زمني لسحب قوات البلدين من العراق, وقال بوش «إننا سنعمل مع حلفائنا في العراق، الحكومة العراقية الجديدة، لتحديد السبيل قدما»، مشددا على أن الهدف لا زال «كما هو، وهو عراق يستطيع حكم نفسه والحفاظ على نفسه والدفاع عن نفسه,» ورفض بوش الخوض في تفاصيل تقارير أشارت منذ بداية العام إلى أن وزارة دفاعه تخطط لخفض أعداد القوات الأميركية، التي يبلغ عددها الآن 131,000 إلى 100,000 بنهاية العام الحالي.
وبدا الزعيمان مختلفين تماما عن مؤتمراتهما الصحفية المشتركة السابقة في ضوء انخفاض شعبية كليهما إلى الحضيض في بلديهما بسبب تواصل ارتفاع القتلى والجرحى في صفوف قواتهما – أكثر من 2,460 أميركيا وأكثر من 106 بريطانيين – وتواصل تدهور الأوضاع الأمنية في العراق بشكل لا ينبىء بقرب تمكن حكومة مركزية من السيطرة على الوضع في العراق بكامله, وفي حين أن بلير مهدد بالاضطرار إلى الاستقالة من منصبه في رئاسة حزب العمال البريطاني بسبب تدني شعبيته، فإن بوش يواجه ضغوطا متزايدة من أعضاء حزبه الجمهوري في الكونغرس الذي يخشون فقدان سيطرتهم على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما في انتخابات نوفمبر القادم، وهي كارثة سيكون بوش مسؤولا أمام الــجمهــوريين عــنــها.
بلير كان أكثر وضوحا باعترافه بأن قرار غزو العراق وإطاحة صدام حسين أدى إلى انقسام في العالم, ولكنه حث أولئك الذين كانوا مع قرار الحرب وأولئك الذين عارضوها بأن «يهدأوا قليلا وأن ينظروا إلى الصورة الأكبر,» وقال إن الحكومة العراقية «تريدنا أن نبقى إلى أن ننجز المهمة,» وأضاف أن أولئك الذين يقاتلوننا في العراق يعرفون ما يريدون، ولكن السؤال هو: هل نعرف نحن ما نريد؟»
ولكن الشعور الذي طغى على الإعلاميين الذين غطوا المؤتمر الصحفي المشترك لبلير وبوش هذه المرة هو أن الرجلين بدآ بتحسسان عبء التاريخ عليهما، بل وعلى تركتهما كزعيمين قادا بلديهما إلى مغامرة غير محسوبة أدت برأي أحد المراقبين السياسيين الجمهوريين في واشنطن إلى «تقسيم العالم بصورة استثنائية واستثارة الرأي العام الدولي ضدنا لسنوات طويلة قادمة,» ولم ينس أحد الصحفيين الذين غطوا اللقاء الإشارة إلى الغلاف الأخير لمجلة «الإيكونومست البريطانية» الذي حمل صورة لبوش وبلير وتحتهما عبارة «محور الضعفاء» Axis of Feeble تهكما على عبارة بوش المشهورة بعد أحداث سبتمبر مباشرة عن محور الشر Axis of Evil.
وعلى صعيد الأزمة مع إيران، ورغم أن بوش حاول الالتزام بالخطوط العريضة لسياسة إدارته تجاه إيران، ملوحا مرة أخرى بأن «جميع الخيارات على الطاولة»، فإنه بدا واضحا أن بلير قد لا يكون مستعدا هذه المرة لمجاراة حليفه الأميركية في مغامرة عسكرية أخرى في الخليج, فقد قال بوش إن الخيار يعود إلى «الإيرانيين لتقرير ما يريدون الآن,,, فهم الذين انسحبوا من الطاولة»، مضيفا أن «علينا أن نواصل العمل على إفهامهم بأنهم سيتعرضون للعزلة,» وحين سئل بوش، الذي توجه إليه انتقادات حادة لإضاعته فرصة الرد على خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قبل أسبوعين، عما إذا كان قرأ خطاب نجاد، فقال إنه فعل ذلك ووجده «مثيرا للاهتمام», ثم عاد وقال «ولكنه لم يتطرق إلى موضوع البرنامج النووي ,,, وهذه هي القضية الرئيسية الآن,» لكن بوش وبلير لم يعلنا بوضوح ما سيكون عليه رأيهما بشأن صفقة الحوافز والعقوبات التي سيعرضها الأوروبيون على إيران في الأيام القليلة القادمة في محاولة لنزع فتيل أزمة البرنامج النووي الإيراني، وهو ما فهمه المراقبون السياسيون في واشنطن بأنه ربما كان انعكاسا لخلاف في وجهات نظر البلدين حول هذه القضية.