لا ترسيم حدود ولا علاقات دبلوماسية ولا زيارة قريبة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى سوريا في المدى المنظور. هذا هو الانطباع الذي عاد به زوّار دمشق في الايام الاخيرة، حيث سمعوا من المسؤولين السوريين كلاما واضحا مفاده أن من يعتقد ضمن <الفريق الحاكم> في بيروت أن دمشق ستوافق على المباشرة في ترسيم الحدود وتبادل التمثيل الدبلوماسي تحت ضغط القرار 1680 إنما هو واهم، بل ان هذا القرار جعل إمكانية الاستجابة لهذين المطلبين اللبنانيين أصعب من أي وقت مضى، وبالتالي فإن زيارة السنيورة لم تعد واردة حاليا في حسابات سوريا، حتى لا يُفسر استقباله في أعقاب صدور القرار المذكور على انه علامة ضعف.

وينقل زوار دمشق عن المسؤولين السوريين قولهم إن على <الفريق الحاكم> في لبنان ان يختار واحدا من منهجين في مقاربة العلاقة بين البلدين، فإما ان يكون معيار الأخوة هو المعتمد مع ما يتطلبه ذلك من أدبيات وسلوكيات تتلاءم وهذا المعيار كأن يقف لبنان إلى جانب سوريا في مواجهة الضغوط الدولية أو أقله لا يشارك في تصنيعها وتوفير المناخ المؤاتي لها، وإما ان يكون مقياس المصالح المجردة هو الاساس في التعامل بين البلدين مع ما يفترضه هذا الخيار من تبعات ومترتبات، وفي هذه الحال يجب على بيروت ان تتقبل فكرة ان لا مصلحة ملحة لدمشق الآن في فتح ملف العلاقات الثنائية، لا سيما انه ليست هناك شاحنات سورية مضطرة الى عبور الاراضي اللبنانية للوصول الى العمق العربي وليس هناك تبادل تجاري من النوع الذي يمكن ان يوجع الاقتصاد السوري إذا تقلص او توقف.

وحسب العائدين من دمشق، فإن القيادة السورية لم تعد تقبل ما تسميه <التذاكي الخبيث> الذي يمارسه البعض محاولا الجمع بين الشيء ونقيضه، فيخلط منطق الأخوة بنظرية المصلحة تارة او يعتمد المداورة بينهما طورا، وفي يقين تلك القيادة ان رهان الفريق اللبناني الحاكم على الضغوط الدولية لاخضاع سوريا قد انكشف مؤخرا بالدليل القاطع من خلال السلوك المريب لبعض المسؤولين اللبنانيين عشية صدور القرار ,1680 <وبالتالي فلا يعتقدن أحد ان دمشق يمكن لها ان تلبي مطلبي التبادل الدبلوماسي وترسيم الحدود بعد صدور هذا القرار، لأن أي تجاوب من هذا القبيل سيفسر على غير حقيقته وسيبدو خضوعا لضغط مجلس الامن، ولا سيما أن النائب سعد الحريري كان قد اعتبر في أحد تصاريحه ان دمشق لا تنفذ ما هو مطلوب منها إلا حين يتدخل مجلس الامن>.

ووفقا للزوّار، فإن القيادة السورية قطعت الشك باليقين في ما خص نوايا فريق <الاكثرية> تجاهها، بعد الزيارة الاخيرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري الى دمشق، ويروي الزوار بناء على ما سمعوه من المسؤولين السوريين ان بري أخذ على عاتقه أن يطمئن الرئيس بشار الاسد الى ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ليس جزءا من الهجمة الدولية على بلاده، مقترحا إحداث صدمة ما تخترق التوتر القائم بين الدولتين والذي تستفيد منه القوى الخارجية التي تتربص شرا بسوريا من أجل شد الخناق عليها، ويبدو ان رئيس المجلس نجح في إقناع الاسد بالموافقة على استقبال السنيورة في زيارة غير مشروطة بجدول أعمال مسبق وتكون مخصصة لكسر الجليد وإعادة بناء الثقة، على ان تليها زيارات متبادلة للوزراء لمعالجة المشكلات العالقة، وقد وُضعت العواصم الاقليمية المعنية في أجواء ما أفضت اليه زيارة بري وأُبلغت باحتمال ان يتوجه السنيورة الى دمشق خلال الايام القليلة التي تلت مبادرة رئيس مجلس النواب.

ولدى عودته الى بيروت، اتصل بري برئيس الحكومة الذي كان موجودا في لندن ووضعه في صورة ما حققه في دمشق وطلب منه ان يتواصل معه فور رجوعه، ولكن الايام مرت من دون ان يتصل السنيورة برئيس المجلس الى ان تم اللقاء بينهما الى مائدة الغداء في عين التينة ثم على طاولة الحوار الوطني في الجلسة السابقة، إلا ان بري لم يحصل من السنيورة على إجابة واضحة تروي الغليل في ما خص موقفه من حصيلة ما عاد به من العاصمة السورية.

هذا <التسويف> في التجاوب مع نتائج مهمة بري قدم من وجهة نظر دمشق دليلا إضافيا على ما تعتبره ارتباطات <الفريق الحاكم> بالمعادلة الدولية وعدم قدرته على الخروج منها ل<لبننة> العلاقة مع سوريا. ويقول المطلعون على أجواء القيادة السورية ان الاخيرة كانت تعلم مسبقا ان نوايا <الأكثرية> ليست سليمة ولكنها لم تمانع في إعطاء بري فرصة لايجاد كوة في جدار أزمة العلاقات الثنائية، إستنادا الى ان له مكانة خاصة لديها وانطلاقا من تقديرها لحرصه على احتواء التوتر بين البلدين، <إلا انه ظهر لاحقا ان السنيورة ومن معه تهربوا من التجاوب مع مفاعيل مهمته حتى لا يؤثر ذلك سلبا على متطلبات تمرير القرار 1680>، حسب قراءة العاصمة السورية.

ويؤكد العائدون من دمشق ان الملف اللبناني لم يعد أولوية في جدول أعمالها الراهن وانها باتت تميل الى وضع هذا الملف على رف الانتظار، لان مصلحتها تقضي بعدم استعجال ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي في هذا التوقيت الذي تشتد فيه الضغوط عليها، وهي لا تجد حرجا في سلوك هذا المنحى الانتظاري ما دام الفريق الآخر قد قرر حسب اعتقادها التعامل معها على قاعدة ان مصلحته تبرر الاستقواء بموازين القوى الدولية من أجل تحقيق غاياته، وبالتالي فإن عليه ان يتحمل كلفة هذا الخيار حتى النهاية.

ولئن كان مؤيدو القرار 1680 يعتبرون انه مستوحى من مقررات الحوار الوطني، لتبرير دعمه، إلا ان هناك في العاصمة السورية من يلفت انتباه زوّارها الى ان هذا <الاجتهاد> إنما يشوه الحقائق لان أصحابه يتجاهلون ان المتحاورين أجمعوا أيضا على لبنانية مزارع شبعا ورفض الانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية، فلماذا قفز مجلس الامن الدولي فوق هذا الاجماع واستخدم <مقص الرقيب> ليستخدم منه فقط الجزء الذي يناسبه.

وفي ما خص التوقيفات التي طالت عددا من الموقعين السوريين على إعلان دمشق بيروت، يشير الزوار الى ان القيادة السورية تأخذ على الموقوفين انهم شاركوا في صياغة إعلان سياسي يحمل توقيع زعيم حركة <الاخوان المسلمين> علي صدر الدين البيانوني، وهي حركة محظورة.