لماذا يصرّ السيّد حسن نصرالله كلما خاطب جمهوراً أن يفترضه أصغر منه سنّاً؟

في خطابيه الأخيرين، يستعيد لازمته المتكرّرة ويطوّرها في ما خص الخطر الاسرائيلي على لبنان، وضرورة إنشاء توازن بين البلدين يكون طرفه، من جهة، جيش الدفاع الإسرائيليّ وطرفه الثاني صواريخ «حزب الله».

ومن يصدّقون كلاماً كهذا لا بدّ أنهم، في أحسن أحوالهم، أطفال.

فإذا كان من خطر إسرائيلي افتراضي على لبنان، الذي لم تعد أرضه محتلّة، فإن الخطر الإسرائيلي على سوريّة قائم وفعليّ ويوميّ، بُرهانه استمرار الدولة العبريّة في احتلال الجولان وضمّه. وإذا جاز، منطقيّاً، في صاحب الخطر الافتراضيّ أن يُقيم توازناً مع العدو، فمن باب أولى أن تُناط إقامة التوازن هذا بصاحب الخطر الفعليّ. وإن لم تستجب دمشق التحدّي، وهي لا تستجيب، بات المطلوب اتخاذ موقف نقديّ حادّ منها والقول إن «حزب الله» ينوب عنها، كما يطالب اللبنانيين كلّهم بالنيابة عنها، في دور تتخاذل فيه.

أما توجيه الشكر لها، في المقابل، فلا يفعل الا توسيع مساحة الشكّ لتشمل «الحزب» بعد سورية: إذ أي سرّ يقف وراء الحماسة للتحرير في لبنان الذي لم تعد لديه، حسب الإقرار الدوليّ، أراض محتلة، بينما الفتور والتجاهل يسمان العلاقة مع تحرير أرض محتلة فعلاً في سورية؟ (نكرّر اقتراحاً يجدّد التكامل السوري - اللبناني بطريقة مختلفة: ما دام اللبنانيون يملكون المقاومة من دون أرض محتلة، والسوريون يملكون الأرض المحتلة من دون مقاومة، فليتوجّه «حزب الله» الى الجولان. بهذا تعمّ الفرحة الجميع: سورية تحرّر، و»الحزب» يمارس شوقه الى الشهادة، ولبنان يستأنف حياة طبيعيّة!).

بيد أن الطفولة تتبدّى في أجلى صورها مع افتراض توازن الرعب الدائم شكلاً وحيداً لممارسة النزاع اللبناني-الاسرائيلي. وهو يعني الجهل بعشرين سنة تكفّلت خلالها اتفاقيّة الهدنة، الموقّعة بعد حرب 1948، ضمان الحدود واستتباب أمنها، ما خلا منغّصات تحصل بين كل بلدين متجاورين غير صديقين. ذاك أن الوضع الحدوديّ لم يهتزّ فعليّاً الا بعد حرب 1967، حين آثرت دمشق التي خسرت الجولان، التعويل على الأعمال الفدائيّة انطلاقاً من عمّان وبيروت المستضعفتين. هكذا كان لخرق اتفاق الهدنة، بعد تكبيل الدولة اللبنانيّة باتفاق القاهرة، أن وضع الجنوب في مرمى الخطر الاسرائيلي الذي بلغ ذروته، ووصل الى بيروت، مع غزو 1982.

وأخيراً، يعرف من مسّه النضج مسّاً خفيفاً أن ثمة خطاً أزرق مُلزماً دوليّاً. فإذا كانت هذه هي الحال، بات الجواب المنطقيّ واحداً من اثنين: إما الالتزام بذاك الإلزام، وإما اعتبار الأمم المتحدة دمية أميركيّة من غير الجائز البقاء فيها. وفي الحال الأخيرة هذه، تُطالب حكومة فؤاد السنيورة بمغادرة المنظّمة الدوليّة فإن لم تفعل، غادر «حزب الله» حكومة متواطئة كتلك.

وقصارى القول إن المواقف التي عرضها نصر الله، ولا يكفّ عن عرضها، تستفزّ أبسط ما يبلغه عقل بسيط. وهي، في هذا، لا تفعل إلا مسخرة المقاومة، وإضافتها الى مسخرة مزارع شبعا!

أما الصوت الجهوري الغاضب فيعرف الذين تجاوزوا سنيّ العمر الأوّل أن أحداً لن يبزّ جمال عبد الناصر فيه.