أحب شاعر الأرجنتيني الأسطوري، خورخي لويس بورخيس، كل امرأة جميلة في بوينس ايرس. ولم تبادله الحب أي منهن. وعندما فقد نظره تماماً أصبح يتكل في كل شيء على أمه، الدونا ليونور، وعلى خادمته جوفينا التي ستضع مذكراتها عن الحياة الصعبة والمبهجة معاً في شقة بورخيس الصغيرة. وجميع النساء اللواتي أحبهن بورخيس كن من النوع الذي لا تطيقه أمه. والكلمة الأخيرة كانت للدونا ليونور، التي ظلت ترافقه حتى في أسفاره، برغم بلوغها التسعين.

ظل بورخيس يحلم بالزواج من اجل الهرب من الأم القوية الشخصية. واقترحت عليه ذات يوم أرملة تدعى السا استيتي، رأت فيها مثال المرأة المذعنة. غير أن اصدقاءه كانوا يكرهون فيها خنوعها، بالإضافة إلى سذاجتها. في أي حال، تم الزواج العام 1967. في تلك الفترة كانت شهرة بورخيس تذاع في الولايات المتحدة وأوروبا، وأخذت مؤلفاته الشعرية والروائية تترجم إلى لغات العالم. وكانت الحياة مع السا تزداد بؤساً.

كان الشاعر الفرنسي لوي اراغون قد وضع ديواناً من أجمل شعر المرحلة، بعنوان «من اجل عيني السا»، التي أصبحت فيما بعد زوجته. أما السا بورخيس فكان الشاعر سعيداً لأنه لا يستطيع رؤيتها. كان عماه، على نحو ما، مبعث سعادة مكتومة. فهو من النوع المبالغ في الحساسية والخجل. ولم يكن قادراً على مواجهة السا بالحقيقة. ثم انه كانت هناك قضية مهمة أخرى. فالطلاق ممنوع في الأرجنتين.

قال جورج اورويل مرة إن «إحدى اكبر الدلائل على عبقرية جوزف كونراد، أن النساء لا يقرأن كتبه». واعتقد أن أحدا لم يجار رأي اورويل في المرأة سوى الشاعر جورج جرداق، الذي يحمل قلمه ويطاردها كما تحمل النساء المكانس لتطارد الزوج المتأخر في العودة إلى البيت.

إذا كان الطلاق مستحيلاً والهجر صعباً في الأرجنتين، فماذا يفعل بورخيس؟ يفعل ما يفعله الأطفال الصغار عندما لا يطيقون المدرسة التي أرسلوا إليها. ذات يوم من 1970، بعد ثلاث سنوات من عذاب السا، خرج من البيت فيما كان صديق له ينتظره في سيارة تاكسي. وقبل أن يخرج، سألته السا: خورخي، حبيبي، ماذا اعدّ لك للغداء؟ فكر قليلا، ثم قال: بوتشيرو! إنها اليخنة التي يحبها. واقفل الباب خلفه. ولم يعد. مثل سميه جورج اورويل وسميه جورج جرداق.