قبل خمسين عاماً قرَّر المواطن الهندي السيد «جايادير» البالغ اليوم «83» عاماً, ترك منزله, وذلك عقب شجار نَشَبَ بينه وبين زوجته «طرافندا». ولم ينتقل كما هو متعارف عليه ­ في هذه الحالات ­ الى أحد بيوت أصدقائه, أو إلى الفندق, أو الى استئجار شقة مفروشة, وإنما, عَقَدَ النيّة, وبعد تفكير عميق, وحسابات مادية, وتحليلات نفسية واجتماعية مستفيضة, على الانتقال والاقامة والعيش فوق الأشجار!!!

وكَرَّرَ السيد «جايادير» ­ حفظه الله ­ لوكالة الأنباء الهندية, أن سبب هربه ورحيله من المنزل العائلي قبل نصف قرن من الزمان, كان خلافاً مع زوجته, في الوقت الذي قالت زوجته ما مفاده: لقد تشاجرنا بسبب أمور ركيكة وتافهة, بعدها, ترك المنزل وغادر, وأقسم بعدم الرجوع إليه. وأضافت يائسة, إنه رغم المحاولات الجادة المتعددة لإقناعه بالعودة الى المنزل, فإنه بقي مصراً على رفض الانضمام مجدداً والعيش في كنف حرمه المصون! كذلك فقد رفض تدخل ابنه الأكبر «55» عاماً, والعارض كل أساليب وطرق وصِيَغ المنطق ونظريات الاجتهاد وتقريب وجهات النظر. ولم تنفع معه دموع وتوسلات الأقرباء والأشقاء والأنسباء والأصدقاء, فقد كان الرفض صارماً قاطعاً ونهائياً!
وأكد السيد «جايادير» أنه بعد أن ترك منزله الزوجي قبل نصف قرن بالتمام والكمال, وعن سبق الاصرار والقصد والترصد والاقتناع, انتقل بملء ارادته الى العيش والسكن فوق إحدى أشجار «جوز الهند» العالية والتي يبلغ ارتفاعها عن الأرض خمسة أمتار.

وهكذا, وبعد سنين من العيش «الطرَزاني» في العلالي, والصعود والنزول عن الشجرة الكبيرة بواسطة التسلق والمرجحة, والتأقلم مع الأغصان والأوراق وعشرات أعشاش الطيور والعصافير, والاندماج الروحي مع مجتمع الزقزقة والزَغَب والريش!! هَبَّت عاصفة هائلة, هزَّت أركان الشجرة الدهرية القديمة, مما أدَّى الى سقوط أمتعته وأدوات مطبخه «الشجري», وبعثرة وسائد وشراطيط نومه, وإلى تناثر محتويات الأعشاش من بيض وقش وجلابيط!! وهروب «جايادير» مذعوراً, بعد أن رأى الشجرة بكل عظمتها ومهابتها تهتز وتتهاوى, وهذا ما دعاه الى تغيير «عنوانه» السكني والانتقال الى حضن شجرة أخرى, كانت قد صَمَدَت بوجه العاصفة!

وفي حديث لبعض وكالات الأنباء صَرَّح «طائرنا» الميمون بقوله: بعد تلك المدة الطويلة من العمر في العيش على الأشجار, بدأت أشعر بتنامي الجانب الروحي في كياني, وبقدرتي بالقضاء على كل أنواع التوترات العصبية والارهاصات المذهبية, والنكايات والحزازات «الخرنكعية»! وأحسست بقوة وعظمة ملكة التسامح والغفران تغمر ذاتي ووجداني! لهذا, ارتاحت لوجودي الطيور والعصافير, وحَضَنَتني الأغصان والأوراق!

ووفقاً لما ذكره سكان القرية, فإن أحداً لم ينجح في اقناع هذا «الطرزان» بالعودة الى الأرض, كذلك لم يفلح الاعصار القوي الذي دمَّر أجزاء واسعة من الولاية التي ينتمي إليها, وقتل وشرد الآلاف من البشر العام 1999, من تغيير موقفه وحل عقدة عناده!! وهكذا, فقد أوصل إلينا هذا الرجل «الشجري» مقولة, أن لا خلاص اجتماعياً, اقتصادياً, سياسياً, ثقافياً وانتمائياً... إلاَّ بترك الأرض والسكن والاقامة في عباب الأشجار!! على اعتبار أنه برغم هبوب الأعاصير من وقت الى آخر فإن العديد العديد من الأشجار سيبقى صامداً.

ففي لبنان, يجتمع «الفرقاء» هذه الأيام حول طاولة مستديرة, والأفضل لو اجتمعوا حول شجرة مستديرة. ولكن من أين سيأتي «الخلاص» في بلد ­ من يوم ليوم ­ تقل وتنقرض فيه «الأشجار» وتتكاثر بغزارة على أرضه «القرود»!!