صالح النعامي

حسناً فعلت الحكومة الفلسطينية بسحبها قوات المساندة التي شكلتها وزارة الداخلية من شوارع مدينة غزة، فهذه الخطوة تقلص مظاهر الاحتكاك التي أدت الى الكثير من الاحتكاكات المؤسفة التي أثارت الأسى في نفوس الفلسطينيين. ولكن أياً كانت النتائج، فأنه لم يكن ثمة خيار أمام الحكومة الفلسطنيية، إلا تفعيل قوة الاسناد الخاصة التي أمر وزير الداخلية الفلسطينية الشيخ سعيد صيام بتشكيلها من عناصر الأذرع العسكرية لحركات المقاومة لوضع حد لحالة الفلتان الأمني في مناطق السلطة الفلسطينية، سيما في قطاع غزة. صحيح أن الفلتان الأمني ظل يعصف بمناطق السلطة الفلسطينية لأكثر من عامين، لكنه بعد الانتخابات التشريعية وقيام حركة حماس بتشكيل الحكومة الفلسطينية، فأن الفلتان أصبح بشكل منهجي ليكون أداة أخرى لاعاقة عمل الحكومة الوليدة واحراجها، فكانت محاولات الاعتداء على الوزارات والمس بهيبة الوزراء الجدد.

والذي زاد الأمور تعقيداً أمام الحكومة برئاسة اسماعيل هنية كان بلا شك قرار الرئيس ابو مازن نقل صلاحية الاشراف على أجهزة الأمن الداخلي من الحكومة ووزارة الداخلية الى ديوان الرئاسة، وأصبح قادة الأجهزة الأمنية يتلقون التعليمات من رئاسة السلطة، في حين لا يتم احترام قرارات وزير الداخلية مطلقاً. وعندما كان وزير الداخلية يصدر تعليماته للأجهزة الأمنية بالعمل على وضع حد لظاهرة الفلتان الأمني، كان قادة الأجهزة يرفضون تنفيذ تعليماته بالقول أنه لا يوجد امكانيات مادية لتنفيذ هذه التعليمات. ليس هذا فحسب، بل أنه أصبح واضحاً بالنسبة لوزارة الداخلية أن هناك دلائل قاطعة على أن بعض الأشخاص المحسوبين على الأجهزة الأمنية يلعبون دوراً كبيراً في تفاقم مظاهر الفلتان الأمني. وأصبحت الأمور على درجة من الخطورة بحيث أن الحكومة الفلسطينية توصلت لقناعة مفادها أنه في حال ظلت الأمور على ما هي عليه الآن، فأنه ليس بوسعها مواصلة القيام بدروها. أن مدى قانونية أو عدم قانونية قوة الاسناد يجب أن يبت فيها وليس التجاذب الحاصل بين مؤسستي الرئاسة ومجلس الوزراء كما هو حاصل حالياً.

فالحكومة تقول أن القانون الأساسي الفلسطيني يفوض وزير الداخلية بإصدر تعليماته لتشكيل القوة الأمنية التي يراها مناسبة لحفظ الأمن.

ثانياً : أن كلاً رئيس الوزراء ووزير الداخلية وعدد آخر من الوزراء يؤكدون أنهم قد وضعوا أبو مازن في صورة تشكيل القوة وأبلغوه بعزم الحكومة تشكيل القوة قبل أن تعلن وزارة الداخلية قرارها ، وقد بارك أبو مازن هذه الخطوة. ولكن الأمر أكثر خطورة من أن حصره في الجوانب القضائية والقانونية، فواضح تماماً أن هناك ثمة مؤامرة امريكية اسرائيلية أوروبية تشارك فيها بعض الأطراف العربية لاسقاط الحكومة، من هنا، فأنه كان حري بمؤسسة الرئاسة أن تكون أكثر حساسية في تعاملها مع الحكومة، لأنه قد يفسر أي تصرف أو تصعيد ضد الحكومة على أنه تساوق مع هذه المؤامرة. أن الذي قد يجعل الواقع الفلسطيني أكثر كارثية مما هو عليه الآن هو حقيقة أن دولة الاحتلال وعبر أجهزتها الاستخبارية وعملائها يمكنها صب الزيت على النار من خلال محاولة دق الأسافين بين أبناء الشعب الفلسطيني. ولعل عمليات ومحاولات الإغتيال التي طالت عدد من عناصر " كتائب القسام "، الجناح العسكري لحركة " حماس "، وقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية يدلل على أن هناك طرف ثالث له كل المصلحة في توتير الأوضاع ودفعها نحو الإقتتال الداخلي. أن على مؤسسة الرئاسة والحكومة الفلسطينية وحركتي " فتح " و" حماس " ادراك خطورة الوضع وتطويق الأحداث الأخيرة، تمهيداً لحل الخلافات بشكل جذري.

فعلى رئاسة السلطة وقيادة حركة " فتح " أن تسلم بحقيقة أنه من الحق الطبيعي للحكومة الفلسطينية أن تتمتع بكل الصلاحيات التي تؤهلها لإدارة شؤون السلطة ومن ضمنها السيطرة الكاملة على الأجهزة الأمنية، وذلك احتراماً لإرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار حركة حماس. ومن حق وزير الداخلية وواجبه رسم السياسة الأمنية الداخلية في مناطق السلطة، وعلى قادة الأجهزة الأمنية الإذعان لقراراته، لأن هؤلاء القادة يخضعون بحكم القانون لاشراف الحكومة ممثلة بشخص وزير الداخلية. من هنا على جميع الفرقاء في الساحة الفلسطينية أن يستغلوا فرصة انعقاد جلسات الحوار الوطني قريباً للوصول لحلول جذرية لحالة الاسقطاب والتوتر التي تعصف بالحالة الفلسطينية.