مأمون كيوان

التهديد باستخدام أسلحة يوم الحساب :
تشير مصادر متعددة إلى أن القيادات العسكرية الإسرائيلية قد فكرت فعلياً في استخدام أسلحة الدمار الشامل وتحديداً الأسلحة النووية بشكل جاد مرتين على الأقل منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي. فقد تم التهديد باستخدام تلك الأسلحة يوم 7 أو 8 تشرين الأول 1973 خلال الأيام الأولى للحرب في إطار أهداف يوجد جدل بشأنها. وفي هذا السياق ورغم أنه لا توجد وثائق رسمية أو معلومات يقينية بشأن ما حدث في حرب تشرين الأول 1973 على المستوى النووي، فما يثار بشأنها يستند إلى تقارير ومعلومات نشرت في صحف ومجلات وكتب نشرت في فترات مختلفة، كتقرير مجلة "تايم" الشهير كيف حصلت إسرائيل على القنبلة "الذي نشر عام 1976، وكتاب "خيار شمشون" لسيمور هيرش الذي نشر عام 1991، وغيرها، لكن الروايات الواردة في هذه المصادر متشابهة إلى حد بعيد، كما أنها تتمتع بصدقية نسبية لدى الدوائر الإعلامية والأكاديمية العربية والإسرائيلية التي أضافت إليها تفاصيل جديدة، فهناك حالة عامة من التأكيد الذي يفيد أن تهديداً نووياً إسرائيلياً قد حدث في حرب تشرين الأول 1973.

ووصفت مجلة "تايم" أزمة إسرائيل العسكرية وقرارها باستعمال الأسلحة النووية على الشكل التالي : "في بداية حرب تشرين الأول 1973 (..) صد المصريون هجمات مضادة إسرائيلية أولى على طول قناة السويس مسببين إصابات كثيرة . وكانت القوات الإسرائيلية على مرتفعات الجولان تتقهقر في وجه هجوم الدبابات السورية الواسع النطاق. وفي الساعة الثانية والعشرين من يوم الثامن من تشرين الأول. أخبر القائد الإسرائيلي على الجبهة الشمالية اللواء يتسحاق حوفي رئيسه قائلاً : "إنني لست متأكداً من أننا نستطيع أن نصمد وقتاً أطول بكثير" وبعد منتصف الليل حذر وزير الدفاع موشي دايان رئيسة الحكومة غولدا مائير تحذيراً حاد بقوله : "هذه هي نهاية الهيكل الثالث" وعلى ذلك أعطت مائير دايان ترخيصاً بتشغيل أسلحة "يوم الحساب" وبعد تركيب كل قنبلة نقلت بسرعة وإلى وحدات القوة الجوية المنتظرة، بيد أنه قبل القيام بأي إطلاق تحولت المعركة على الجبهتين الشمالية والجنوبية في صالح إسرائيل.

وكانت المناسبة الثانية التي فكرت فيها إسرائيل باستخدام السلاح النووي في عام 1982 حينما غزت لبنان، وقد ورد في مذكرات أرئيل شارون ـ وزير الدفاع آنذاك ـ أنه طلب إلى رئيس الوزراء مناحيم بيغن أن تجتمع اللجنة المكلفة، أو المفوضة، رسمياً بقرار استخدام السلاح النووي (وهي اللجنة التي تضم رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الموساد) لإعطائه تفويضاً باستخدام السلاح النووي فيما إذا هاجمت سورية الجولان لتحريره أثناء غزو إسرائيل لبنان، وقد رفض بيغن منح شارون هذا التفويض، ولم يسمح به. أما المناسبة الثالثة فكانت عام 1990 حينما استدعى السفير الأمريكي في إسرائيل في شهر كانون الأول من ذلك العام ـ قبل بدء حرب تحرير الكويت السابع عشر من كانون الثاني 1991 ـ وتم إبلاغ السفير أنه لو أن العراق هاجم إسرائيل بأسلحته الجرثومية أو الكيماوية فإن إسرائيل سترد بسلاحها النووي، وقد تم إعطاء ضمان أمريكي بحماية "إسرائيل من خلال نشر بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية في إسرائيل لمواجهة صواريخ سكود العراقية".

وفي عام 1997 حاولت إسرائيل اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في العاصمة الأردنية عمان، غالباً باستعمال السم المعروف بـ SEB Staphylococcus enterotoxin B لكن تدخل الملك الأردني الراحل حسين بن طلال لدى إسرائيل واعتباره محاولة الاغتيال اعتداء على سيادة الأردن والاتفاقات المبرمة مع إسرائيل اضطر إسرائيل إلى تسليم الأردن الترياق الذي يلغي تأثير هذا السم.

وقد أثار إخفاق عملية الاغتيال أزمة داخل إسرائيل حول دور جهاز الموساد والعلاقة مع الطاقم السياسي. وشكلت لجنة للتحقيق برئاسة الدكتور يوسف تشحنوفر وعضوية الجنرال احتياط آفي بيلد والعميد دان طولكوفسكي رفعت تقريراً إلى رئيس الحكومة آنذاك بنيامين نتنياهو. ومما جاء في التقرير: وفي يوم 25/9/1997 نفذت محاولة لاغتيال خالد مشعل في الأردن، لكن العملية أخفقت وتم إلقاء القبض على منفذي العملية واعتقالهم. في يوم 6/1/97 قررت الحكومة الإسرائيلية تشكيل لجنة تفسير وتوضيح لفحص عملية الموساد التي نفذت ضد خالد مشعل في الأردن. وقد عقدت اللجنة المشكلة برئاسة تشحنوفر(47) جلسة استمعت خلالها إلى 35 شاهداً قسم منهم ظهر (مثل) أمام اللجنة مرات عديدة، كما تلقت هذه اللجنة مئات الوثائق والمستندات، أما اللجنة فقد عقدت جلساتها بصورة سرية وفي موقع مغلق في وسط البلاد، ومن خلال الرغبة في حصر ومعرفة الموضوعات الرئيسة ذات العلاقة بإخفاق العملية في الأردن بكل أبعادها، حددت اللجنة لنفسها منطقة نشاطها برغم أن الحكومة لم تحدد محيط وإطار عمل اللجنة في كتاب التعيين الموجه لها، كما حددت الحكومة من جهة أخرى أن اللجنة يمكنها الشروع في العمل من بداية التفكير والمصادقة على تصفية خالد مشعل كهدف للموساد وحتى ساعة اعتقال عنصرين من الموساد من قبل السلطات الأردنية.

وأضاف التقرير المذكور : "إن طرق ووسائل تنفيذ العملية تلزم بتوفير ضمانة كافية بعدم ترك بصمات أصابع إسرائيل على العملية، حيث إنه في حال نجاح العملية لا يستطيع أحد أن يوجه أصابع الاتهام ضد إسرائيل، فوفقاً للغة رجال الاستخبارات والمخابرات لا بد من تنفيذ أي (عملية بهدوء) أما إمكانية إخفاق العملية ومغزاها ودلالاتها التنفيذية والتخطيطية فلم تكن قد أخذت بالحسبان من قبل مخططي العملية الذين صادقوا على تنفيذها من قبل قادة الموساد.
ولم تتوقف استخدامات إسرائيل لنشاطها الذري العسكري عند هذا الحد وإنما طورت الأمر.

فتحت اسم سري للغاية هو (علاقة ديفيد) أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك الخطة العسكرية السرية، والتي تستخدم فيها إسرائيل للمرة الأولى القنبلة النيوترونية على الصعيد العملي. وتقوم الخطة المذكورة على تعبئة ألغام تنتشر بطول الحدود السورية الإسرائيلية بالقنابل النيوترونية التي سوف تكون جاهزة للانفجار فور أية محاولة من جانب الجيش السوري لتجاوز الحدود وهو الذي يمكن أن يكون قادراً على غزو إسرائيل في مدى زمني قدره 12 ساعة حتى مع إعادة الهضبة السورية منزوعة السلاح. وإضافة إلى ذلك يتم نصب قواعد صواريخ مرشدة بالليزر على طول الحدود تحمل رؤوس قذائف نيوترونية إضافة إلى (قشرة مدفعية نيوترونية).

وتشير الخطة الإسرائيلية المسماة علاقة ديفيد إلى أن الانفجار النيوتروني في حال قيام أي غزو سوري لإسرائيل سوف ينجم عنه إشعاع يقتل الجنود حتى وهم داخل مدرعاتهم وقد عهد إلى وحدة خاصة ضمن قوات الاحتلال تسمى (وحدة ميتار) بتنفيذ خطة التلغيم. وتشير الخطة أيضاً إلى ضرورة حصول باراك على تعهد خطي من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بعدم معارضة الخطة الإسرائيلية.
ويثير الاهتمام موقف عموم الإسرائيليين من مسألة امتلاك أسلحة الدمار الشامل واستخدامه.

وفي هذا السياق تشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من 70% من الإسرائيليين يبررون ظروفاً معينة لاستخدام الأسلحة النووية، وقد تبين من الاستطلاع الذي أجراه البروفيسور آشير إيريان ونشر في مجلة "استكمال استراتيجي" التابعة لمركز جافي للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب، تبين أن الهوة القائمة حول هذه المسألة بين قوى اليمين واليسار في إسرائيل قد تلاشت.

وتجدر الإشارة إلى أن استطلاعاً سابقاً جرى قبل أكثر من عقد من الزمن أظهر أيضاً أن 92% من الإسرائيليين يؤيدون تطوير إسرائيل لأسلحة نووية مقابل نسبة 78% قبل عشر سنوات، كما تبين أيضا ًأن 65% فقط يؤيدون إتباع السياسية الضبابية النووية اليوم مقابل 78% في الاستطلاع السابق.

ويبرر أغلب الإسرائيليين استخدام الأسلحة النووية كرد على هجوم بالأسلحة التقليدية ضد إسرائيل، كما أن نصف عدد المشاركين في الاستطلاع أيدوا استخدام السلاح النووي في حال نشوء وضع يائس من الناحية العسكرية وأن الأقلية فقط أيدت استخدام مثل هذا السلاح في حالات غير بائسة. أما من حيث تحليل المعطيات فقد اتضح أن ثقافة المشاركين في الاستطلاع شكلت العلاقة القوية بين المتغيرات الديموغرافية وانقسام الآراء في الموضوع النووي، كما أن تأييد استخدام السلاح النووي يرتفع في إسرائيل بموازاة ارتفاع المستوى الثقافي، وهذا يمثل اتجاهاً مخالفاً لما هو موجود بشكل عام في دول أخرى، ومع أن استخدام الأسلحة النووية لا يخدم مصلحة البشر إلا أنه يحظى بالتأييد لدى قطاع كبير من الناس في إسرائيل.

تقدم القول إن إسرائيل هي الحائز الوحيد لأسلحة الدمار الشامل بأنواعها كافة في الشرق الأوسط. وأنها ـ أي إسرائيل ـ وضعت السلاح النووي على وجه الخصوص في وضعية الاستعداد للاستخدام في مناسبات مختلفة. ويبدو أن الدوافع الإٍسرائيلية إلى هذا الاستخدام سبق أن حدد أحد المحللين الاستراتيجيين الإسرائيليين منذ منتصف عقد السبعينات في القرن الماضي أنها تتراوح بين استخدامها كرادع نفسي ضد العرب. وخاصة في حالة التعتيم وعدم الإعلان عنها.

وهو ما يمكن تسميته رادع بالشك (Deterrence through Uncertainty) الذي يزيد حالة الارتباك العربي تجاه نيات الاستخدام لسلاح غير معلوم لهم ولا نقدر، مما يؤدي إلى تشتيت الفكر الاستراتيجي العسكري والعربيين في حالة التفكير في مهاجمة إسرائيل، ويؤدي إلى القبول بالواقع الإقليمي والحالة الإسرائيلية. ولكن هناك محددين يرتبطان باستخدام إسرائيل سلاحها النووي وهما :
أ ـ الموقف الاستراتيجي، أي طبيعة السلاح النووي والإدراك العربي لحجم القوات النووية الإسرائيلية والموقف الدولي.

ب ـ قابلية السلاح النووي للاستخدام الخاضعة بدورها لما يسمى خط الأمان النووي الذي يرتبط هو الآخر بأبعاد محدودة، تراعي نوعية القنبلة المستخدمة، هل هي انشطارية أم هيدروجينية، وهل هي تكتيكية أم عيارية؟ وهي أمور مهمة يضعها المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي وكذلك صانع القرار السياسي الإسرائيلي عند اتخاذ قرار استخدام السلاح النووي، وتحد كثيرا ًمن اتخاذه لهذا القرار نظراً للتأثير الإقليمي المحتمل، بما في ذلك تأثر إسرائيل نفسها بذلك الأمر.
بالمقابل قد تتراجع مقيدات استخدام بقية أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة البيولوجية والكيماوية والجرثومية نظراً لإمكانية التحكم بنوعية السلاح المستخدم ونطاق تأثيره المرحلي والاستراتيجي. ولذلك لم تتورع إسرائيل ولم يردعها أي رادع سياسي أو إنساني عن استخدام بعض أنواع أسلحة الدمار الشامل ضد العرب والفلسطينيين في حالات عديدة تم عرضها في متن هذه الدراسة.