اكل الانقسام السياسي- الطائفي في لبنان من المعاني الوطنية لعيد التحرير الذي صنعته المقاومة منذ انطلاقها مع الاحزاب اليسارية ووصولا الى توسع وتجذر المقاومة الاسلامية وانتهاء بانتصار هذه المقاومة- حزب الله في العام 2000 عندما تمكنت من استنزاف الاحتلال وطرده فتحررت البقاع الغربي ومعظم الجنوب اللبناني- ما عدا مزارع شبعا- من الاحتلال واعطت لاول مرة قيمة لقرار دولي هو القرار 425 الذي ما كان لينفذ- ولو جزئيا- لولا المقاومة وما كان ليعرف التنفيذ على رغم مثاليات الشرعية الدولية لولا واقعية القوة وواقعية الحق وواقعية الصمود الشعبي التي برهنت للعرب وللعالم ان الارادة اذا توافرت بامكانها ان تخرق الخلل في ميزان القوى وان تحقق انتصارا على القوة الاسرائيلية التي تقدم نفسها على انها قوة لا تقهر.

وبمقدار ما هو صحيح بأن فعل المقاومة مارسته نخبة شعبية وحزبية وسياسية مهما تنوعت انتماءاتها وعلى مدى مسيرة طويلة فان الصحيح ايضا ان هذا الفعل كان مردوده لصالح لبنان كله وبالتالي فهو فعل وطني بامتياز تاريخي وعيده هو عيد وطني ولكن- ويا للاسف الشديد- فان حالة الصراع السياسي التي يشهدها لبنان على المعادلات الداخلية والتصورات المستقبلية والالتباسات الطائفية والانقسامات المحيطة بها اكلت من حقوق هذا العيد ومعانيه وكشفت عن كارثة عميقة يستلزم الاشارة اليها لتشخيصها والتركيز على مخاطرها وعدم التغطية عليها والا فان المخادعة والمواربة ستؤديان الى مزيد من الانقسام فيما لبنان يحتاج الى انقاذ الحوار الوطني ودفعه الى الامام ومن أول مستلزمات هذا الانقاذ هو اعادة بناء الاجماع على ان الاحتلال الاسرائيلي هو العدو وان المشروع الاميركي - الاسرائيلي في المنطقة لا يستهدف حالات المقاومة والتي يسميها زورا بالارهاب بل يستهدف وحده كل دولة عربية وهذا هو نموذج العراق الذي يعيش خطر الفتنة الطائفية وهذا هو لبنان الذي تعطل فيه الحسابات الطائفية عملية الانقاذ الوطني يقدمان دليلا قاطعا على صوابية ما نذهب اليه.

ان الكارثة التي نتحدث عنها ليست في شكل الاحتفال بعيد التحرير الذي كان اساسيا في بعض المناطق وهامشيا في مناطق اخرى وغير موجود في غيرها فمسألة الشكل تبقى عابرة لكن الكارثة في ان بعض القوى تمزج بين المقاومة كمبدأ وكحالة وطنية وبين استغلالها في اللعبة الطائفية في لبنان فتجعل من عيد التحرير مناسبة لممارسة هذه اللعبة بينما كان يجب ان يبقى في معانيه الوطنية الشاملة بعيدا عن هذه النظرة الضيقة.

اما الخطورة المتنامية اكثر فأكثر فتبدو في وجه آخر من المسألة وهو وجه سياسي ضيق رغم ما فيه من بعض المعطيات الموضوعية فبخلاف بعض القوى السياسية مع دمشق بسبب الاخطاء التي ارتكبت في لبنان ان ينظر الى المقاومة بما هي فعل وطني وعندئذ كان يمكن للحوار ان يحقق انجازات فعالة وسريعة على عكس ما نراه من مراوحة قد تسبب ميوعة في الحوار ما لم تتسبب بسقوطه.