أخيراً صادق البرلمان العراقي في العشرين من مايو الجاري, على مجلس الوزراء الذي اقترحه رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي, وذلك بعد خمسة أشهر من انتخابات ديسمبر الماضي, على أن تقضي الحكومة المجازة دورتها كاملة. وسرعان ما جاءت استجابة الرئيس بوش لهذه الخطوة ,على أنها تمثل تطوراً كبيراً وعلى درجة من الأهمية لبروز العراق كدولة حرة ديمقراطية مستقلة. ومن جانبه طار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى بغداد في الثاني والعشرين من الشهر الحالي, زاعماً أن إعلان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة, إنما يشير إلى "بداية جديدة" سوف تمكن العراقيين من الإمساك بزمام أمرهم وتولي إدارة شؤونهم. ولعله من المفهوم أن تصدر عن الرئيس الأميركي وحليفه البريطاني مثل هذه التعابير المفعمة بالتفاؤل والأمل, بحكم مسؤوليتهما عما يجري في العراق. غير أن إمعاننا النظر إلى ما طرأ من تغيرات تشريعية جرت هناك منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل من عام 2003, إنما يعيد إلى الذاكرة أصداء التعابير ذاتها التي جرى ترديدها من قبل, بينما يواصل العراق انزلاقه إلى هاوية الفوضى والعنف الدموي.

فما أن أطيح بنظام صدام حسين "البعثي", حتى أنشئ "مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية" التابع للبنتاغون, برئاسة الجنرال "جي غارنر", في أول خطوة من نوعها قصد منها فتح كوة جديدة لآمال وتطلعات الشعب العراقي. وفي الحادي عشر من أبريل 2003, تحول ذلك المكتب إلى "سلطة التحالف المؤقتة", بينما تم استبدال "جي غارنر" بـ"بول بريمر" في الحادي عشر من مايو من العام نفسه. فما كان من هذا الأخير إلا أن سارع بتسريح الجيش العراقي, في وقت بدأت تلوح فيه نذر تمرد واضح وبالغ الخطر.

ثم حدثت قفزة أخرى كبيرة في مطلع مارس عام 2004, لدى المصادقة على الدستور العراقي المؤقت, تلاها نقل السلطة من يد التحالف إلى سلطة عراقية مؤقتة, بقيادة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي, في الثامن والعشرين من يونيو عام 2004. وكان قد نظر إلى علاوي في واشنطن على أنه "نوّارة" العراق ووجهه الجديد. وكانت المهمة الرئيسية لعلاوي هي الإعداد لانتخاب الجمعية الوطنية المؤقتة. وبالفعل أجريت تلك الانتخابات في 30 يناير عام 2005, ووصفت بالنزاهة والفاعلية على رغم الجهود التي بذلها التمرد من أجل تقويضها والحيلولة دون إجرائها. ثم تكللت تلك الخطوة باقتراع العراقيين في الخامس عشر من أكتوبر 2005, عبر استفتاء شعبي عام على مسودة الدستور الجديد, لتليها خطوة انتخاب الحكومة العراقية الدائمة في15 ديسمبر المنصرم.

وإذا ما نظرنا إلى كل هذه الإنجازات على الورق, فلا شك أنها كبيرة وباهرة. لكن وفي المقابل, فإن ثلاث وظائف أمنية قيادية لا تزال شاغرة حتى الآن هي: وزير الدفاع ووزير الداخلية والأمن القومي, في حين يتصاعد عدد الضحايا والقتلى يومياً في الشوارع والمدن. والأكثر خطورة أن هناك الكثير من الشواهد والقرائن مما يشير إلى طغيان العنف الطائفي على التمرد فيما نرى من تزايد في عدد القتلى هناك. أضف إلى ذلك كله ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً من تقارير تشير إلى تفشي ممارسات الفساد وعدم الولاء في أوساط صفوف قوات الأمن العراقي.

ولكل ذلك يظل مفتوحاً السؤال حول ما إذا كانت الحكومة العراقية الدائمة المنتخبة للتو, ستتمكن من وقف هذا التدهور الأمني أم لا؟ ومما لا شك فيه أن لهذا الوضع انعكاسات وتداعيات خطيرة على مصير الرئيس بوش في الانتخابات النصفية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل. فالعراق هو الذي سيقرر أصوات الناخبين الأميركيين, خاصة في حال عجز إدارة بوش عن سحب عدد كبير من القوات الأميركية المرابطة حالياً هناك. وفي المقابل, فربما يتأثر سلباً انتقال السلطة من توني بلير إلى وزير خزانته غوردون براون, ما لم يطرأ تحسن ملحوظ على الوضع العراقي.