منذ أن بدأت مفاوضات العضوية في اكتوبر الماضي بين تركيا والإتحاد الأوروبي، والمتوقع ألا تقل مدتها عن عشر سنوات، يبدو أن الحماسة التركية على هذا الطريق تراجعت بعض الشيء، وفي الاساس ان القوى المعارضة للخيار الأوروبي من قوميين وعلمانيين متشددين وكماليين، بالمعنى الذي يعكس النخبة الحاكمة منذ عقود، واسلاميين متشددين، لم تتوقف لحظة عن انتقاد بل محاولة عرقلة، جهود حزب العدالة والتنمية للمضي في «الثورة الصامتة» إلى نهاياتها الاصلاحية على مختلف الاصعدة.

لكن في الوقت نفسه، يحمل حزب العدالة والتنمية الحاكم في داخله اكثر من نواة مستاءة في الشكل الذي يتخذه المسار الأوروبي فالحزب حتى الآن لم ينجح في اختراق سدود حول الحريات الدينية الاسلامية الى درجة يخشى أن يفقد معها قاعدته الإسلامية.

وفي الاسابيع الأخيرة يبدو أيضاً واضحاً، ان الاصلاحات التي سبق اقرارها لم تجد طريقها للتنفيذ العملي، وما ظن انه تحجيم لدور الجيش في الحياة السياسية، لم يمنع القادة العسكريين من الضرب بقوة على الطاولة وتأكيد سطوتهم الحاسمة، ولعل طرد القاضي فرحات صاري قايا من منصبه وهو الذي وجه الإتهام لقائد القوات البرية ياشار بويوك انيت بتشكيل عصابات مسلحة خارج القانون بدلاً من تركه يحقق في القضية احد اسطع الامثلة على أن جزمة الجيش لا تزال تدعس على رقبة السلطة السياسية.

وتركيا، على موعد كل ستة أشهر مع جردة حساب حول ما أحرزته من تقدم على الطريق الأوروبي، وقبيل الاجتماع المنتظر في 12-13 يونيو لـ «مجلس الشراكة» الاوروبي التركي، ظهرت في وسائل الاعلام التركية مسودة المشروع الذي ستقدمه المفوضية الاوروبية للاجتماع وفيه ارتفاع منسوب النقد وانخفاض منسوب الثناء لما حققته الحكومة التركية حتى الآن.

وكما في كل مرة، احتل دور الجيش في الحياة السياسية موقعاً خاصاً في التقرير المشار إليه اذ يطلب التقرير من الحكومة التعاطي بشفافية مع الموضوعات الأمنية وعدم السماح للمؤسسة العسكرية باطلاق تصريحات إلا في القضايا العسكرية وعبر مسؤول حكومي وليس عسكرياً، ودعا التقرير إلى ان تقوم السلطات المدنية بالاشراف على تطبيق الاستراتيجية الأمنية وان يكون الاتفاق العسكري تحت اشراف البرلمان كما الغاء التشريعات التي تتيح محاكمة مدنيين في محاكم عسكرية.

ويتطرق التقرير الاوروبي الى موضوع حساس آخر، وهو وضع المسيحيين في تركيا فيطلب فوراً ان تعيد الحكومة التركية فتح مدرسة تعليم الرهبان في جزيرة «هايبلي» قرب اسطنبول في بحر مرمرة، كما طالب التقرير الحكومة بايجاد حل للمطالب العلوية في الاعتراف باماكن عبادتهم «بيوت الجمع» وتمثيلهم في مؤسسات الدولة ذات الصلة «رئاسة الشؤون الدينية» وتدريس المذهب العلوي في درس الدين الاجباري في المدارس.

ولا يخفي التقرير عدم ارتياحه للمادة 301 في قانون العقوبات التي لا تزال تشكل سيفاً مسلطاً على حرية التعبير والتي حوكم العديد من رجالات الفكر بسببها.

وانقسم التقرير المؤلف في 19 صفحة، حول المشاركة الكروية في تركيا.

فمن جهة اشاد بتوسيع مجال البث باللغة الكردية، وطالب بوضع التشريعات التي تضمن التعليم بلغات اخرى غير اللغة التركية، ومن جهة ثانية دان العنف الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد مذكراً بأن الحزب موجود على لائحة المنظمات الارهابية، لكن ايضا دعا التقرير القوات التركية إلى استخدام القوة بصورة حذرة ودقيقة وليس بصورة عشوائية وشاملة.

اما على الصعيد الخارجي فإن النقطة الأهم هي الطلب من تركيا تطبيع علاقاتها مع «جمهورية قبرص» «اليونانية» اي فتح الموانئ والمطارات التركية للسفن والطائرات القبرصية اليونانية وهو ما ترفضه تركيا حتى الآن.

اللافت في التقرير أنه يحمل سلباً جهود «الحكومة تجاه الاصلاحات» ويرى أن عملية الإصلاح تراجعت وتباطأت وتتطلب جهوداً إضافية.. ولا شك أن هذا التقرير سيحرج الحكومة اكثر فهي وصلت إلى عتبة الاصلاحات الأكثر حساسية. فإما أن تقدم او تتريث، وفي الحالتين فإن النتائج لن تكون موضع اجماع داخلي.