إما أن المصدر السوري المسؤول الذي صرح بـ(انه ستتم إدانة المعتقلين -من موقعي إعلان بيروت دمشق- والحكم عليهم ثم سيصار إلى الافراج عنهم لاحقاً بعفو خاص من الرئيس بشار الأسد) يمتلك قدرة اللبناني ميشال حايك بقراءة الغيب واستشراف المستقبل ومعرفة الأحداث قبل وقوعها، أو أنه ملم بسيرورة المحاكمة التي سيخضع لها موقعو الاعلان، ومطلع على الحكم الذي سيصدر بحقهم. فلا يمكن فهم ثقته المطلقة بأن المعتقلين سيدانون ويحكم عليهم ثم يفرج عنهم بعفو رئاسي بغير أحد هذين التفسيرين.

وفي حال كان هذا المصدر المسؤول من الرؤيويين أو من أصحاب الكرامات، أو من ممارسي السحر الأسود والتبصير بالفنجان وضرب المندل وفتح الفال وفك المربوط، فإني سأجد تفسيراً ليس فقط لتصريحه الذي أدان المعتقلين وحكم عليهم ثم أفرج عنهم قبل أن تبدأ محاكمتهم، بل وأيضاً سأتمكن من فهم الهدوء السوري الغريب في مواجهة العواصف الدولية التي تزوبع حول سورية. وسأفهم لماذا قررت سلطتها إضافة حصار داخلي إلى حصارها الخارجي باعتقالها مجموعة من المثقفين والنشطاء المدنيين والحقوقيين. فلا شك بأن هذا المصدر المسؤول قد طمأن السلطة السورية على المستقبل، وأخبرها بأنه رأى في الفنجان أن الرئيس الأمريكي جورج بوش يلوح بيده من شباك مكتبه البيضاوي بقطعة قماش بيضاء معلناً استسلامه أمام الصمود والتصدي السوري، وأن هاتفاً أخبره في المنام بأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك سيقف على درج الأليزيه، ويدلي بتصريح صحفي يقول فيه أن كل مؤامراته تحطمت على صخرة الممانعة السورية، وجمع وطرح وقسّم في حسابات الفلك فاكتشف أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير سيلجأ إلى مجلس الأمن ليناشده التدخل لكي تقبل سورية اعتذاره عن كل الدسائس التي دسها مع الدول الأخرى ضدها.

أما إذا كان المصدر السوري المسؤول مثله مثل باقي عباد الله، لا يرى المنامات ولا يأتيه الهاتف في أحلامه، ولم يخصه الله بكرامات الأولياء الصالحين، فلا يعرف الأخبار إلا من الصحف والتلفزيونات ووكالات الأنباء، فإنه يجب أن يحاكم بعدة تهم أولها إفشاء أسرار الدولة، لأن تصريحه الذي أعلن فيه بأنه ستتم إدانة المعتقلين والحكم عليهم ومن ثم سيفرج عنهم بعفو رئاسي، يعني بأنه مطلع ليس فقط على الآلية التي ستسير وفقها محاكمة هؤلاء النشطاء، بل وعلى علم كامل بالحكم الذي سيصدر عليهم. أما التهمة الثانية التي يجب أن توجه للمصدر المسؤول فهي إهانة القضاء السوري. فهو يقدم صورة لقضاء مهلهل يعتبر المتهم مذنباً قبل أن تثبت إدانته، ويصدر أحكامه قبل المحاكمة، وهذا ما يعتبر مساساً بهيبة الدولة التي يمكن أن تكون التهمة الثالثة التي يمكن توجيهها للمصدر المسؤول.

على كل حال يجب أن يحمد السوريون ربهم ويشكروه ألف مرة، بأن المصدر المسؤول لم يصل حماسه في تصريحه بشأن المعتقلين -الذين يواجه بعضهم تهماً قد تصل عقوبتها إلى الحكم بالاعدام- إلى حد القول بـ(انه ستتم إدانة المعتقلين والحكم عليهم بالاعدام ويعدمون ثم سيصار إلى إعادتهم إلى الحياة بأمر من الرئيس)!!