أطراف الأزمة اللبنانية ، المفتوحة على بعديها السوري والفلسطيني ، تبادلوا خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة ، فيضا من الرسائل الساخنة ، المغلفة بالسيارات المفخخة والصواريخ والغارات الجوية. إسرائيل ، اللاعب القديم ـ الجديد والمتجدد على الساحة اللبنانية ، أرادت الدخول على خط الجدل اللبناني الداخلي حول السلاح الفلسطيني في لبنان ، وإظهار الكلفة الباهظة لهذا الوجود على أمن لبنان واستقراره ، وفي هذا السياق جاء اغتيال المسؤول في حركة الجهاد الإسلامي في مأمنه اللبناني ، وفي السياق ذاته ، جاء استهداف معسكرات الناعمة وحلوة التابعة للقيادة العامة وجماعة أبو موسى.

حزب الله ، اللاعب الرئيس على جبهة الجنوب ، أراد أن يستحضر التهديد الإسرائيلي بأبشع صوره ، وبعث برسالة للبنانين جميعا ، وتحديدا للذين تجمعهم مائدة الحوار الوطني ، بان المقاومة مقيمة وسلاحها باق ، وأن استراتيجية الدفاع عن لبنان التي تقدم بها ، تلحظ الإبقاء على هذا السلاح ، ورفض دمجه بسلاح الشرعية ، والأهم أن استحضار البعد الفلسطيني في المواجهة ، أريد بها القول ، أن انسحاب حزب الله من جبهة المقاومة والجنوب ، سيفسح المجال لآخرين في الحلول محلهم ، لكأن الحزب بذلك يريد أن يربط مستقبل سلاحه بمصائر الصراع العربي الإسرائيلي ، وليس بمزارع شبعا على وجه الحصر.

أما الفصائل الفلسطينية الموالية لدمشق وطهران ، فقد كان دخولها على خط المواجهة ، ساخنا وصاخبا ، بل وغير مسبوق منذ سنوات ، ما يدفع على الاعتقاد بوجود رسائل سياسية كامنة خلف هذا الحضور وتحته ، فهي تريد القول ، بأن مستقبل وجودها في لبنان لا يتقرر على مائدة الحوار الوطني اللبناني ، وأن لهذا الوجود أبعادا وامتدادات وحمايات إقليمية ، وأنه سلاحها مرتبط بسلاح المقاومة اللبنانية ، الباقي ما بقي صراع العرب والفلسطينيين مع إسرائيل.

اللبنانيون القلقون من تجدد مخاطر التصعيد ودوراته المتعاقبة ، بادروا إلى إطلاق تحرك ديبلوماسي كثيف ، أنتهى إلى تطويق الأزمة واحتوائها إلى حين ، بيد أن عناصر التفجير والتأزيم ما زالت كامنة تحت السطح ، وبالأمكان استدعائها في أية لحظة ، لا سيما أن لبنان اعتاد على استقبال مواسم الصيف والاصطياف ، بموجة من التصعيد الأمني والعسكري ، الذي يراد له وبه ، حرف وجهة الزوار والسائحين إلى دول مجاورة.

وربما هذا ما دفع سياسيين كبارا للتحذير من خطورة هذه اللعبة السنوية على اقتصاد لبنان ، ذلك أن المؤشرات تقول بأن سويسرا العرب تنتظر موسما سياحيا متميزا ، إذ يتوقع وصول أكثر من مليون ونصف المليون سائح هذا الصيف ، معظمهم من العالم العربي ، وللأردن نصيب مهم منهم ، الأمر الذي لن يتحقق إذا استمرت حرب الاغتيالات والصواريخ والمفخخات مستمرة.
إذن ، ليس بالسياسة وحدها ، يمكن تفسير موجة التسحين على جبهة الجنوب ، بل للاقتصاد أيضا أثره الدامي أحيانا ، ولعل تجربة لبنان ، وتحديدا في جنوبه ، ما ينهض شاهدا على هذه الحقيقة.