معاريف

فيني شني
(عمل مستشاراً للسياسة الخارجية
لرئيس الحكومة السابق ايهود باراك)

منصب رئيس الحكومة في السلطة الفلسطينية هو منصب جديد نسبيا، وُلد بمبادرة من الاتحاد الأوروبي وبتأييد من الرباعية الدولية، والهدف منه تشكيل "محور للالتفاف على عرفات"، وكان أبو مازن أول من شغل هذا المنصب. لكن يبدو اليوم أن "السحر انقلب على الساحر" وأننا نبحث عن "محور للالتفاف على حماس" يعيد الصلاحيات إلى الرئيس.
نحن نشهد في الآونة الأخيرة اشتداد حدة الصراع العنيف للسيطرة داخل السلطة والذي يدور بين مصادر الصلاحية وبين الحكام. واقتُبس عن أبو مازن ادعاءه أنه في غضون ثلاثة أشهر ستنهار حكومة حماس في حال لم ينجح قادتها في تغيير مواقفهم بشكل جوهري.
فهل أن جولة انتخابات جديدة ستعيد المعتدلين وأنصار السلام ظاهريا إلى السلطة؟ وفي أي ظروف سيعيد الناخب الفلسطيني ثقته إلى حركة فتح أو سيمنحها إلى جهة مستقلة اُخرى؟ وهل ثمة جهة سياسية قادرة على الفوز في الانتخابات وعلى الحكم، على افتراض مواصلة تمتع حماس بتأييد نحو 40% من أعضاء البرلمان؟
بغية تقديم أجوبة عن هذه الأسئلة يتعين توضيح عدد من الفرضيات الأساس. ففوز حماس بنسبة 44% مقابل 41% لحركة فتح، حصل لأنهم فشلوا في حركة فتح في بناء منظومة سلطوية توفر الاحتياجات للمواطنين، ولأنهم تركوا العمل في مجالات التعليم، الصحة والخدمات الاجتماعية في يد حماس. فالفساد في السلطة لا يختلف جوهريا عن ظواهر مماثلة في ديمقراطيات اُخرى في منطقتنا، لكن الفارق الرئيسي هو أن القيادة الفلسطينية لم تنجح في ترجمة قوتها ببناء منظومة مستقرة.
لقد أراد السكان الفلسطينيون معاقبة الزعامة على عجزها، تدهور الوضع الاقتصادي، فقدان الشعور بالأمن والفشل في تحقيق حلم الدولة. كما أن طريقة الانتخابات، حيث أن نصف عدد النواب يُنتخبون في قوائم إقليمية والنصف الآخر في قوائم وطنية، سهلت الأمر على حماس. إضافة إلى ذلك، فإن الانقسامات والصراعات الداخلية في فتح على خلفية تغيير الأجيال، منعت الحركة من تقديم قائمة موحدة، الأمر الذي صب في مصلحة حماس.
إن حماس، التي اعتُبرت نظيفة الكف على الصعيد الاقتصادي ـ الاجتماعي، نجحت في إزالة شعور اليأس في صراعها على الكرامة الوطنية والقيم الدينية. ولذلك، في حال انهيار حكومة حماس، سيُفكر الناخب الفلسطيني بتغيير انتخابه إذا اقتنع فقط بأنه طرأ تغيير جوهري على صورة الوضع.
أي أن على الناخب الفلسطيني الاقتناع أن حكومة حماس فشلت وأنها ليست أهلاً لإدارة الدولة. وعليه الاعتقاد أن الفشل جاء نتيجة الطريقة الخاطئة التي أدت إلى تقليص وتقييد المساعدات الدولية، وأن حماس هي التي تحث إسرائيل على استكمال بناء الجدار الفاصل واتخاذ الخطوات الأحادية الجانب، التي تعني تقليص أراض الدولة الفلسطينية العتيدة.
لكن حتى لو اقتنع الناخب الفلسطيني بهذه الأمور، فإنه لا زال هناك حاجة لوجود بديل مناسب، ويكون ممثلا أمينا للمصالح الوطنية والشخصية للفلسطينيين. وعليه فإن من شأن الانهيار المبكر لحكومة حماس، ومن دون ايجاد قوة سياسية بديلة، أن يؤدي إلى إعادة انتخاب هذا التنظيم، الأمر الذي يعني ترسيخ وتوطيد دعائم سلطته لسنين عديدة.
إن اقتناع الناخب أن التسوية السياسية ليست تنازلا عن الكرامة االوطنية، وأن الأمر لا يتعلق بالخضوع للدول وللحضارة الغربية، يتطلب وقتا طويلا وسياسة واضحة ومستمرة تقوم على مبدأ "العصا والجزرة". وعندما يقتنع الناخب أن سلطة حماس تعيده إلى الوراء سنين كثيرة، وأن يوجد بشكل خاص زعيم يمكن الاعتماد عليه، وقادر على السير به بحزم لتحقيق الأهداف، فسيغير الناخب موقفه.
إلى ذلك الحين، من المناسب أن نخط خطواتنا بحذر، ونمتنع عن أوهام التغيير والحلول السريعة وأن نتمسك بالكفاح، إلى جانب تشجيع أولئك الذين يمكن أن يكون البديل في المستقبل