الغد
لم يكن باستطاعتنا التوقف لحظة لقراءة الحدث، أو لرسم الأفق الجديد .. هذه هي النتيجة التي يصل إليها معظم المتحاورين حول الشأن السوري. فالبعض يحمل التاريخ القريب المسؤولية عن حالة "الكشف الاستراتيجي" الذي نعيشه اليوم، وآخرون يرون أن التاريخ القديم مازال حاضرا ومسؤولا عما يجري.

بين وجهات النظر غاب التفكير بمحاولات استبدال الأسئلة المنهجية، فلماذا السؤال اليوم عن الأسباب القريبة أو البعيدة؟! ولماذا الحرص على استحضار التجارب التاريخية عندما نواجه دولة تصنع اليوم تاريخها؟! في المجابهة التي يتخيلها البعض اليوم مع الولايات المتحدة لا يصح استحضار التاريخ، لأن الولايات المتحدة لا تتعامل مع منطق التاريخ .. بينما نصر على استحضار آلاف الصفحات ونحن نواجه القرارات الدولية مصرين على انها، أي الولايات المتحدة، غير قادرة على قراءة الشعوب .. وهل هي بحاجة لقراءة الشعوب!!

المشكلة لا تكمن في عدم منطقية قرارات الولايات المتحدة تجاهنا .. والمسألة ليست داخل أروقة البيت الأبيض، لأنه يرسم تاريخه اليوم، ويخطط لمصالحه الحقيقية وفق "منطقه" وليس على قواعد "ابن خلدون" أو حتى "مكيافيللي".
المشكلة أن مواجهتنا الافتراضية مع الولايات المتحدة لا تملك بداية، وهناك إصرار على التعامل مع ما يحدث وكأنه الحدث الحاد الذي يمكن ان يقف دون بداية علينا الدخول بها .. البداية ليست شعارا يمكن ان نطرحه بشكل سريع، بل هو قرارنا بأنا نريد بالفعل فهم هذا العصر والتعامل مع الولايات المتحدة ليست كعدو بالمعنى الإطلاقي للكلمة .. بل كظاهرة عالمية وتجربة لم تحسم بعد.

ليس المطلوب الوقوف بوجه الولايات المتحدة .. أو الانحناء لها .. المطلوب الوقوف بوجه انفسنا والانحناء لغدنا .. رسم بداية لما يمكن أن نقوم به .. وضع تصور – ولو افتراضي – لما نريده من المستقبل. فالورقة الخاسرة هي التعامل مع الولايات المتحدة بنفس المفهوم "الاستعماري القديم" ومقارعتها بنفس الآليات التي استخدمناها من اجل الاستقلال .. الورقة الخاسرة هي عدم قدرتنا على خط بداية يمكن أن تفتح المستقبل وتساعدنا على إيجاد آليات للتعامل مع التسلط داخل "الظاهرة الأمريكية".