بدأ الجدال حول توقيف " موقعي إعلان دمشق بيروت " يتوسع في أوساط المثقفين والناشطين السوريين ، مع وجود اتجاه عام عند الكثيرين بان " إعلان بيروت دمشق " فعل خاطئ ،

ولكن الكثيرين أيضا وصفوا توقيف ميشيل كيلو ورفاقه بإصلاح " الخطأ " بخطأ ..

والتوجه العام في توصيف خطوة التوقيف بأنها "خطأ" السلطة ، هو الفكرة التي عبر عنها الكاتب حسن م يوسف بان " خلافات الورق تحل على الورق " ..؟! بينما بدأ البعض الآخر يقول بان إعلان بيروت دمشق .. ليس مجرد خلافا على الورق..

وما يؤيد نظرية الفعل التي تحاول أن تطرحها السلطة ، هو الكيفية التي صدر من خلالها إعلان بيروت دمشق.

بحسب معلوماتنا فان إعلان بيروت دمشق بدأ بالتحضير له من خلال " لجنة تحضيرية " ضمت " مثقفين " من البلدين سوريا ولبنان ، وهذه اللجنة التحضيرية بدأت أعمالها في بداية شهر شباط الماضي ، من خلال " اجتماعات شبه أسبوعية امتدت بضعة أشهر " بحسب ما كشف جهاد الزين احد المثقفين اللبنانيين الموقعين على الإعلان ، الكاتب في صحيفة النهار اللبنانية في مقال له بعنوان " بمناسبة ( إعلان بيروت – دمشق... ) : معـيار غـير ممكن الآن " بتاريخ 12 أيار 2006.

وعلى الأغلب وبحسب مراجعتنا لكثير من مواقع الانترنت التي شاركت في جمع التواقيع على البيان ، فان حملة جمع التواقيع بدأت في الأسبوع الأول من الشهر الرابع في بيروت ، وتبنى مثقفون نشطاء من الطرفين جمع اكبر عدد ممكن من التواقيع على " البيان السياسي " الجديد.

المعلومات الأولية تشير بان النشطاء في الجانب السوري الذين كان لهم دور أساسي في التحضير وجمع التواقيع في سوريا هما الكاتب المعروف ميشيل كيلو والناشط في مجال حقوق الإنسان أنور البني ، وما يهمنا هنا من كان هناك على الجانب اللبناني ..

يكشف جوزيف ناصيف الكاتب في صحيفة النهار ، في مقال نشر في النهار بتاريخ 14 أيار – 2006 بان " حبيب صادق " هو من أرسل له البيان للتوقيع ( لم يوقعه ناصيف حينها ) .. ، وتتقاطع هذه المعلومات مع معلومات لدينا تقول بان " حبيب صادق " من الأشخاص الرئيسيين في صياغة إعلان بيروت دمشق .. فمن هو حبيب صادق هذا..

حبيب صادق هو رئيس ما يعرف باسم " المنبر الديمقراطي " ، احد القوى الأساسية التي شاركت في تأسيس حركة " اليسار الديمقراطي " والتي بدأت بالتصعيد تجاه سوريا مبكرا وقبل اغتيال الحريري ، وشارك في وضع هيئتها التأسيسية بالإضافة الى الياس عطا الله ممثلون عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط و أعضاء من " لقاء قرنة شهوان " ورئيس حركة "التجدد الديمقراطي" النائب نسيب لحود وعميد "الكتلة الوطنية " كارلوس ادة ، بالإضافة الى صادق.

طبعا في قراءة سريعة للأسماء الموقعة على البيان من الجانب اللبناني ، نجدها في معظمها تنتمي بشكل مباشر او غير مباشر لقوى الـ 14 آذار او مؤيدة لها ، كما ان عدد كبير من الكتاب الموقعين هم كتاب في صحيفة النهار اللبنانية المعروفة بمواقفها المعادية لسوريا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر من الموقعين من الجانب اللبناني :

محمد كشلي ، مستشار رفيق الحريري قبل وفاته.

عاصم سلام عضو في حركة التجدد الديموقراطي احد قوى حركة 14 آذار.

كريم مروة عضو بارز في الحزب الشيوعي اللبناني المشارك في قوى 14 آذار.

زياد الماجد نائب رئيس حركة اليسار الديمقراطي احد قوى 14 آذار ، ويمتاز الثلاثة الأخيرين بانهم من الشيوعيين المنشقين والذين انضموا الى الحركة التي تضم " الياس عطا الله ".

جهاد الزين مسؤول صفحة القضايا في صحيفة النهار.

محمد ابي سمرة ، كاتب في صحيفة النهار وتتسم مقالاته بالعدائية الشديدة لسوريا حيث كتب في احد مقالته " أن رجال نظام البعث في سوريا ولبنان ذاهبون في حقدهم الاسود وشهوتهم السوداء حتى ثمالة الشهوة والحقد اللذين لا يرتويان إلا بقتل لبنان وإخماده خمود سوريا البعث منذ 35 سنة" ، كما يمكن اعتبار أي سمرا انه من المنتقدين لحزب الله الذي يصفه بأحد مقالاته " إن مجتمع "حزب الله" الحربي، هو "مجتمع بوليسي" ايضاً، وربما تكون بوليسيته في النواة من حربيته" .

ربما هذه التوليفة التي كان لها دور رئيسي في صياغة طروحات إعلان بيروت دمشق ، لم تلقَ ذاك التأييد في أوساط المثقفين السوريين ، من غير الموقعين ، بينما تعاملت معها السلطة بشدة اعتبرها البعض "غير مبررة"

ورغم أن الموقوفين من الموقعين على الإعلان يلقون تعاطفا واسعا في جميع أوساط المثقفين والناشطين السوريين ، الا أن فقرات الإعلان تعرضت إلى نقد واسع ، وحاولت الكثير من القوى السياسية والحقوقية فصل موقفها من استهجان ورفض التوقيف ، عن تأييدها للإعلان.

كان من ابرز منتقدي إعلان بيروت دمشق بيروت ، الكاتب المعروف حسن م يوسف وهو الذي أطلق شعار " خلافات الحبر يجب أن تحسم على الورق " ، حيث قال " صحيح أنني لم أُدعَ للتوقيع على ذلك البيان، ولو دعيت لما وقعت عليه لأنه غير متوازن ويتبنى طروحات افتراضية لم يثبتها التحقيق"

ثم هاجم الحزب السوري القومي الاجتماعي البيان والموقعين عليه حيث قال في بيان أصدره أن " حيثيات الإعلان تعزف على الأنغام نفسها, أنغام الأمبريكو – صهيونية وحلفائها المتربصة بدمشق".

وحول "المثقفين" الموقعين على الإعلان استغرب البيان أن "يرضوا لأنفسهم أن يطبلوا على أنغام من مسخوا أنفسهم قردة إرضاء للأسياد الجدد .."

من بين الكتاب الذين انتقدوا الإعلان بشدة ، هو وزير الصناعة السابق ، الدكتور غسان طيارة ، الذي يرى في طروحات الإعلان تطابقاً لما يثار من قبل " شارع الأكثرية في لبنان " التي تلقى " معارضة شديدة من قبل الشارع السوري " بالإضافة إلى تطابق بعض فقرات البيان مع روح ما ورد في قرار مجلس الأمن 1559.

وتابع طيارة الذي تلقى كتاباته الاحترام حتى عند أطياف المعارضة السورية ، واصفا بعض العبارات التي وردت في الإعلان حيث قال " نجد أن بعض العبارات منغصة وغير مفيدة بل وضارة في رسم علاقات جديدة مميزة تعتمد على الاحترام المتبادل بين البلدين وسيادة كل دولة على أراضيها كاملة".

الآن مع وجود قراءة أكثر عمقا للإعلان ، وفهم الآليات التي ظهر من خلالها ، تتوسع دائرة المعارضة والاستهجان لمضمونه ، الذي يراه الكثيرون بأنه لا يخدم على الإطلاق مصالح البلدين ولا يقرّب بين شعبيهما ، وإنما هو بمثابة " افتتاح فرع لقوى 14 آذار في سوريا ".

اتساع دائرة النقاش ، وصلت إلى أعلى سلطة ثقافية في سوريا ، والتي ستقيم في وقت قريب حسب المعلومات التي تتوفر لدينا ندوة موسعة يشارك فيها مثقفون من جميع أطياف المجتمع السوري وشرائحه بغية مناقشة مضمون الإعلان ، وشرح ما جاء فيه للرأي العام

القضية المهمة المتبقية هنا ، هي قبوع شخصيات بارزة لها حضورها وتاريخها في المجتمع السوري في السجن ، وسط رفض معظم المثقفين السوريين لهذا الفعل ، غير الموافقين على مضمون الإعلان قبل الموافقين ، وترقب لمجريات محاكمة تصر السلطة بأنها ليست محاكمة رأي ، وتدلل على قولها ، بان ما يكتبه ويبوح به بعض الموقوفين أو الموقعين في مقالاتهم ولقاءاتهم خلال سنوات كان اشد وطأة على " السلطة " مما جاء في بنود إعلان بيروت – دمشق ، وان الجهود التي أخرجت مثل هذا " البيان السياسي " إلى العلن تتجاوز قضية الرأي .. وتنتقل مباشرة إلى خانة "الفعل" التي على القضاء أن يقرر هل يشكل مخالفة للقانون أم لا ..