نجيب نصير

يبدو العالم أعرجا مع تعميم فكرة القطبية الواحدة، فلا يستطيع المرء ان يصدق أو يستوعب ان أمريكا بانتصارها على السوفييت تتفرغ لأعمال الخير والبر والتقوى، وهو الهدف الذي زوقته ولونته للعالم في حال انتصارها على قوى الكفر أو قوى الشيوعية العالمية أو قوى تشويه السوق وعرقلة المصالح، فوعد إلغاء توازن الرعب يفضي إلى الرخاء يبدو ككذبة على اناس سذج تدعمه قوة عاتية متعددة الاختصاصات والتطبيقات لتبقي هذا التوازن موجودا ولو كان في حالة إعلامية إعلانية تبرر استباقية الحروب والعقوبات تحت راية القوة العاتية.

لا يمكن فهم أمريكا دون عدو حتى لو استسلمت لها صاغرة كل قوى العالم كبيرها وصغيرها، ولكن أصبح لها وتحت راية القوة العاتية ذاتها ـ الخيار في طريقة استثماره، فتموله كجزء من رأسمال سوف تستعيده مضاعفا جدا من جهة، ويجب ان تكون الضحايا على حساب هذا العدو ومن كيسه من جهة ثانية، هكذا يبدو العداء لأميركا كعقد استثماري أكثر منه وقوف في وجه معاكسي السلام والمنطق والحق وحتى السوق في هذه الكرة الأرضية.

لذا يبدو الإرهاب كحالة غير منطقية أو مفهومة فكرا وتكتيكا وتمويلا وأسرارا وتعاظما وتلونات إلا من خلال حضوره كقطب ثان ليس مسلما برداءته فقط، بل من خلال تلقي الأيدي الممدودة للسلام للجثث المتطايرة، وتوقف المجتمعات المنتجة لهذا القطب عن النمو والتقوقع في جماعات غير حداثية لا تستطيع التناغم عمليا مع العصر أنتاجا وأدوات ولعل النموذج القذافي / الصدامي ينفع دليلا على العقد الذي تريد إبرامه الولايات المتحدة مع قوى تلعب دور الدوبلير في المشاهد الخطرة ويحافظ على صورة البطل.

لا استطيع فهم هذه القوة العاتية عسكريا واقتصاديا ومخابراتيا وعلميا وووو الخ لا تستطيع حصر ومعالجة حالة أو حالات تفهمها تماما لأنها هي من قام بصنعها بغض النظر عن نوعية إرهابها عشوائيا كان ام منظما، بريئا كان ام ماكرا، غبيا كان ام ذكيا، انها تصنع لذاتها قطبا ثانيا، أو رجلا ثانية، كي تستطيع وطء رقبة هذا العالم الثالث التافه وعلى حسابه.