هآرتس

ألون ليئال
( شغل منصب مدير عام وزارة الخارجية أيام حكومة ايهود باراك)

بنظرة الى الوراء، يتبين أن الانجاز السياسي ­ الأمني الوحيد منذ اتفاق السلام مع الاردن كان الانسحاب من غزة وشمالي الضفة. فاتفاقات اوسلو، كما الانسحاب من لبنان، لم تُقربنا في نهاية المطاف من السلام، لا مع الفلسطينيين ولا مع اللبنانيين. في المقابل، شكل الانسحاب من غزة خطوة مهمة في نضالنا للحفاظ على طابع دولة اسرائيل اليهودي، ولتعزيزها وللتمكين لها، بالرغم من أننا لم نقطف بعد ثمار السلام في هذه الحالة ايضا. وعليه فإن فك الارتباط الذي نفذه ارييل شارون وخطة الانطواء التي تأتي في أعقابها هما الاجراءان التاريخيان الأكثر أهمية منذ اتفاقات السلام مع مصر والاردن.
وسط العملية الجراحية التي بدأتها حكومة أرييل شارون في الإنسحاب من غزة وشمالي الضفة الغربية، وجد المجتمع الدولي دواء سحريا بديلا تجسد في أبو مازن. لا يوجد في إسرائيل من يعتقد فعلا أن ثلاث حبات من أبو مازن في اليوم، ستعالج المرض. رغم ذلك، من المريح التمسك بهذه الوصفة كبديل عن الجراحة. ومن المريح أكثر ابتلاع الحبة بدل إخلاء 60 ألف مستوطن من بيوتهم.
إلا أن للأدوية المسكنة التي تسمى المفاوضات مع أبو مازن عدة عوارض مرافقة. المسكنات تأخذ مفعولها ببطء، إذا كان لها مفعول أصلا، وتستنزف الكثير من الوقت. كما أنها قد تؤدي إلى تدهور أوضاع منظومات كاملة أخرى، موجودة في حالة استقرار. والمشكلة الرئيسية هي: أنها لا تعالج النزيف الذي خلفه فك الإرتباط الأول، وهو نزيف قد يصبح قاتلا.
لا توجد أية إمكانية لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بواسطة المفاوضات مع أبو مازن. فالأمر يشبه إلى حد ما المفاوضات بين بشار الأسد والرئيس موشيه كاتساف على مستقبل الجولان. السؤال لا يخص من هو الأكثر لطفا: أبو مازن أو إسماعيل هنية. السؤال هو ما إذا كنا نؤمن بالديموقراطية.
إن من يؤمن بالديموقراطية لا يستطيع أن يتجاهل حكومة منتخبة، ولا يستطيع أن يؤمن في المقابل باحتلال استمر 40 عاما. لذلك، على من يؤمن بالديموقراطية أن يؤيد تجاوز أبو مازن. إذا كان يمكن القفز مباشرة نحو هنية، فالأمر يستحق المحاولة، لكن حيث أن الأمر غير ممكن، يجب التوجه مباشرة نحو العملية الجراحية وفورا. إما التحاور وإما الإخلاء: هذه هي الخيارات.
في كل يوم نتفاوض فيه مع أبو مازن تتعمق جذور مستوطني الضفة الغربية. ما هي قيمة اتفاق مع أبو مازن اذا لم نستطع بعده اخلاء المستوطنات؟ الآن توجد نافذة فرص سياسية تُمكّن من تنفيذ الانطواء. نافذة مع تأييد عام واسع لانتخابات جرت حديثا، كانت في واقع الأمر استفتاء للشعب.
احدى الذرائع التي تُساق لعرقلة الانسحاب هي أن الأسرة الدولية تريد محادثات سلام. يريد العالم في واقع الأمر أن نكف عن الاحتلال. صفق العالم كله لشارون في السنة الماضية. اذا ما استمر اولمرت في العملية الجراحية الأليمة، فسيحصل على التصفيق نفسه . كل قضية "ثنائية الأطراف" و"أحادية الأطراف" غير ذات صلة حتى ننقل المستوطنين بالفعل. في اللحظة التي يُحرك فيها المستوطنون، ستنقطع ضغوط الأسرة الدولية.
ما من أحد يفهم الوضع أفضل منا. لا يجوز أن نوقف هذه العملية المهمة في منتصفها. يجب الاستمرار في اخلاء المستوطنات، لمصلحتنا ولمصلحة أبو مازن ايضا.