كانت لحظة دخول الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الجبهة الوطنية التقدمية مثيرة للجدل، لأن الخطوة بذاتها بدت بوابة لمرحلة جديدة. فهي كانت إضافة سياسية لمجال فكري بالدرجة الأولى ولرؤية متباينة مع الخط السياسي العام لكل أحزاب الجبهة. ومهما اختلفت وجهات النظر من طبيعة العمل السياسي داخل الجبهة، لكن دخول الحزب يعتبر من الناحية النظرية على الأقل تجربة جديدة للطرفين، وهو ما رسم بناء حول ما يمكن أن يحدث مستقبلا، على الأخص أن هذا الدخول ترافق مع حدث سياسي يحاول رسم إزاحات استراتيجية في خارطة المنطقة بعد اغتيال رفيق الحريري.

وربما كان من المتوقع أن يقدم القومي تصورا استراتيجيا لبعد العلاقة بين البلدين، فهو صاحب نظرية "اجتماعية" بالدرجة الأولى حول أمة سورية، وحول "السياسة" بالمعنى غير التقليدي، وهو قبل نصف قرن شكل سابقة عندما قدم دراسة حول الجامعة العربية عشية تأسيسها .. فما الذي قدمه اليوم في زمن رحيل "النخب" إلى أبعد من "تسييس" العلاقة، وقيام المثقفين بالتعامل مع الحدث من منظور خاص يختصر ما يحدث عبر صور سياسية وتحليلات تدخل في نطاق تصفية الحسابات مع اعتبار أن ما حدث يقوم على أساس "الغالب والمغلوب" ...

"القومي" تعامل مع بيان "بيروت – دمشق" من زاوية الإدانة، وفق خطاب سائد اليوم عند كل الأطراف سواء كانت مع البيان أو ضده، وربما استطاع إنهاء ما يمكن فعله بتسجيل الموقف، تماما كما تفعل بيانات الإنترنيت التي تهاجم سورية، فعند استخدام تشبيه "المرايا العاكسة" على المثقفين، فربما علينا ترسيخ المفهوم الآخر الذي يعتبر العلاقات السورية – اللبنانية أثمن من أن تحكمها السياسية، فهل كان من المفترض وضع نقطة عند "الإدانة"؟!! أم أن الإدانة هي نتيجة نظرة مترابطة لما يمكن أن نبتدعه لاستكمال التجارب التي قام به "القومي" في القرن الماضي، وربما لا حاجة للتذكير هنا بتجربة مجلة "شعر" كمساحة قادرة على بناء معرفة ثقافية.

والمسألة تبدو في مساحة القلق التي ترسمها الإدانة فقط، لأن أصحاب دعوة وحدة الهوية والمجتمع فضلوا تقديم درس تاريخي ومصطلحات "نوعية" في قيمة "المثقف" ودوره، في وقت كنا بالفعل متشوقون لرؤية تعيد صياغة البيان لترسم أكثر من موضوع "الموقف السياسي" وتضعه في مساحة الفعل الاجتماعي دون الحاجة لعمليات "الطعن" التي مارسها البيان واستخدمتها البيانات المضادة بنفس الطريقة، وكأننا أمام حلقة مفرغة نهايتها "الافتراق" الاجتماعي وليس السياسي.

بيان "بيروت – دمشق" واضح في المساحة التي اختارها، ولا حاجة لتعريته عبر موقف سياسي، لأنه لن يكون وثيقة مرجعية للمثقفين حتى ولو وقع عليه البعض. لكن المهمة الأساسية هي في إغلاق الباب على ظواهر مماثلة يمكن أن تنشأ في الغد القريب، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يحدث بالإدانة، بل برسم جديد لصورة العلاقة على أساس آليات "اجتماعية" يعرفها ويتقنها القومي أكثر من غيره، وإذا استطاع إيجاد هذه الصورة فلن نكون مضطرين لاستخدام لغة "الخصم" أو حتى الدخول في مأزق اعتبار أن إعلان الموقف كفيل بتحريك الأمور كما فعل بيان بيروت – دمشق أو كما تقوم به بعض التيارات على ساحة الوطن.