الاصلاح مطلب يعكس حاجة في الكيان الاجتماعي الذي يتوجه اليه الجهد الاصلاحي ويسعى الى تجاوزه الى حالة افضل من الاداء. ولعل اصعب عمليات الاصلاح تلك التي تتوجه نحو المجتمع برمته وتسعى الى احداث تغييرات بنيوية وقيمية تمس البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في القوى والمؤسسات المجتمعية المؤثرة في حركة المجتمع. وبالتالي فان عملية الاصلاح عملية مركبة تحتاج من ناحية الى رؤية واضحة واهداف محددة، كما تحتاج من ناحية اخرى الى تعاون وثيق ومستمر بين القوى الاجتماعية والفاعليات الاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز صنع القرار السياسي.

من هنا فان الحديث عن مشكلة الاصلاح في سوريا يتطلب منا بداية تحديد طبيعة الخلل في المجتمع، كما يتطلب تحديد القيم الاجتماعية وتحليل اولوياتها والمصالح التي تسعى الى تحقيقها، ومن ثم البحث في المقاربات اللازمة لتحقيق المشروع الاصلاحي.

الاصلاح في سوريا مطلب قديم ومتجدد. ترتبط مطالب الاصلاح بجملة من الاوضاع التي تميز المرحلة الراهنة من تطور المجتمع السوري، ولعل اكثرها وضوحا تلك التي تتعلق بتقييد العمل السياسي، وحرية الصحافة، واحتكار النشاط الاعلامي من قبل الدولة.

بلغت مطالب الاصلاح اشدها في نهاية التسعينات نتيجة انخفاض معدل النمو الاقتصادي الى ادنى حدوده منذ قيام الدولة السورية، اذ تدنى معدل النمو الاقتصادي الى 1,7 في المئة ليتحول الى تقلص اقتصادي بمعدل 4،4 في المئة اذا ما اخذنا التزايد السكاني في الاعتبار. من الواضح ان خطاب القسم لعب دورا اساسيا في تحريك قوى المعارضة السياسية في سوريا واعطائها فسحة من الامل وزخماً جديدا في العمل. بيد ان القيادة السورية اعطت الاولوية للاصلاح الاقتصادي مع التدرج الوئيد في الاصلاح السياسي. كما شددت على اولوية الاصلاح الاداري مؤكدة ان قصور الادارة لدينا هو من اهم العوائق التي تعترض مسيرة التنمية والبناء.

واضح اذن ان الهم الاقتصادي والاصلاح الاداري الضروري من اجل مكافحة الهدر والفساد كانا الهم الاساسي، وما زالا، للقيادة السورية.

اعتمدت القيادة في جهودها لاحداث الاصلاحات الادارية على مجموعة من الخبراء الفنيين (التكنوقراط)، ولكن هؤلاء اصطدموا بمراكز القوى السياسية ضمن المؤسسة الحزبية والبيروقراطية.

يمكن تلخيص عجز المعارضة عن ادارة صيرورة الاصلاح بالنقاط التالية:

غياب خطة مديدة متكاملة ذات اولويات محددة ومفاصل واضحة، والاكتفاء برفع الشعارات والتنظير العام وحملات التشكيك.

قصور التحليل وبالتالي قصور فهم بطبيعة المرحلة واحتياجاتها.

فقدان المعارضة قواعد شعبية قادرة على دعمها من أجل تحقيق الخطة الاصلاحية.

الخطاب الجدي للمعارضة الذي يضعها في تناقض كامل مع السلطة وتركيز الخطاب على سلبية النظام واغفاله الانجازات التي حققها.

اتصف الخطاب الذي طرحه عدد من دعاة الاصلاح في سوريا بالطابع الجدي الداعي الى الاصلاح الشامل بدءا من الدستور. وعلى الرغم من النبرة الايجابية لدعاة الاصلاح فقد وجد خصومهم في اروقة السلطة في دعوتهم الاصلاحية الشمولية، وفي منحاها الليبرالي، وفي تأكيدها على تنشيط مؤسسات المجتمع المدني والخصخصة الاقتصادية خطرا على مصالحهم. وقد استطاعت مراكز القوى بالفعل سحب البساط من تحت ارجل المعارضة، وتقليص المساحة المحدودة من حرية الحراك السياسي والاعلامي.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو كيف يمكن البدء بعملية الاصلاح

من المهم ان ندرك ان الاصلاح في مساراته المتعددة يتطلب قوى اجتماعية تتبنى طروحات الاصلاح وتسعى الى تحقيقه. ويرى الاصلاحيون ان الاصلاح يحتاج الى اصدار قانون الاحزاب، والسماح بالتعددية الحزبية، وحرية الصحافة، وبالتالي فان الاصلاح الاقتصادي لا يمكن ان يتم بدون اصلاح سياسي.

ومن ناحية اخرى يتطلب الجهد الاصلاحي من دعاة الاصلاح ان يستشعروا مسؤولية الكلمة، والمطالبة بنهج تدريجي للاصلاح، وليس بالاصلاح الشامل الذي لا يمتلكون شروطه ولا القدرات العملية اللازمة لتحقيقه. كما ان العمل الاصلاحي المجدي يتم من خلال سجال ما بين السلطة والمعارضة او القوى المطالبة بالاصلاح.

واضح اذن ان الاصلاح ليس جملة من الشعارات تطرح، او ارادة مجموعة من الافراد تفرض على المجتمع، بل هو عملية متعددة المسار تقوم على تحقيق شروط معينة وموضوعية على ارض الواقع، وفي مقدمتها بناء ثقافة سياسية تسمح بتعادل القوى الاجتماعية في عمليات بناء المؤسسات التعليمية والادارية والاقتصادية والسياسية التي تشكل دعائم القوة والنهضة لأي مجتمع. الخطوات الاساسية في عملية الاصلاح يجب ان تتوجه نحو الارتقاء بالحس السياسي، واحترام القانون، وبناء مؤسسات المجتمع المدني.