تجاوز لبنان مأزقاً أمنياً وسياسياً كبيراً على مدى ساعات امتدت حتى فجر أمس، بفعل تطويق الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق العاصمة اللبنانية ومداخلها، ضد تناول برنامج «بس مات وطن» الساخر، الذي تبثه «المؤسسة اللبنانية للإرسال» (ال. بي. سي) الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، في إطار تناول البرنامج للزعامات السياسية اللبنانية.

وانطلقت التظاهرات الصاخبة قام بها مناصرو «حزب الله» ليل الخميس – الجمعة، إثر تقليد البرنامج الذي بُث في الثامنة والنصف ليلاً، نصر الله. وعكست التظاهرات بعد دقائق على بثه، مدى الاحتقان السياسي والطائفي الذي يعيشه لبنان، اذ قطع المتظاهرون الذين دعتهم مكبرات صوت الى النزول الى الشارع، اعتراضاً على ما اعتُبر اساءة الى «سيد المقاومة»، طريق المطار الدولي وبعض الطرق الرئيسة في الضاحية ومدينة بيروت الرياضية، بالاطارات المشتعلة. وأطلقوا هتافات مع نصر الله وضد محطة «ال. بي. سي» وزعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، ورئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع. وعلى رغم سعي قياديين من «حزب الله» الى ضبط المتظاهرين وحصر خطوط سيرهم، والحؤول دون تعرضهم لبعض المؤسسات، وعلى رغم نداءين وجههما نصر الله قرابة منتصف الليل الى المحتجين، للانسحاب من الشارع، فإن درجة الانفعالات والاحتقان أدت الى توسع التحركات الاحتجاجية في الشارع، وحرق الإطارات في البقاع والجنوب، وعند مداخل العاصمة (مناطق زقاق البلاط، البسطة – بشارة الخوري)، كما أدت الى احتكاكات شيعية – مسيحية في منطقتي عين الرمانة والسوديكو، أسفرت عن سقوط جرحى، لكن القوى الامنية تمكنت من ضبطها.

واستطاعت اجهزة «حزب الله» وقيادته وكذلك القوى الأمنية انهاء هذا التحرّك، بعيد الثالثة فجرا. لكنه ترك تداعيات سياسية وردود فعل، خصوصاً ان انفلات المشاعر في الشارع ذكّر بالتظاهرة التي حصلت في 5 شباط (فبراير) الماضي، ضد الرسوم الكاريكاتورية المسيئة، وانتهت بحرق مبنى في منطقة الاشرفية المسيحية وبالاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة.

وقالت مصادر في «حزب الله» إنه لم يخطط أو يقرر تحركاً احتجاجياً من هذا النوع، بدأ عفوياً ثم سعى الى ضبطه من دون ان يتوقع ان يبلغ الحجم الذي بلغه.

وفيما أدى الشغب الذي تخلّل تظاهرات الاحتجاج الى سقوط 7 جرحى، والى توقيف القوى الأمنية 10 أشخاص، أعلن معد برنامج «بس مات وطن» اعتذاره لنصر الله وجمهور المتظاهرين، منتصف ليل أول من أمس، عن أي إساءة حصلت. وسعى وزير الاعلام غازي العريضي الى استيعاب التشنجات التي أحدثها البرنامج وردود الفعل على التظاهرات الغاضبة باجتماع مع رئيس محطة «ال. بي. سي» بيار الضاهر، وبقرار من المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع يدعو المحطة الى الاعتذار من نصر الله. لكن العريضي أكد ان المعالجات لا تكون في الشارع بل بالقانون، مؤكداً احترام مقام نصر الله، وممتدحاً معد البرنامج لاعتذاره. كما رفض استدعاءه من جانب المديرية العامة للأمن العام لاستجوابه، لأن المرجعية هي لوزارة الاعلام.

وأصدر الضاهر بياناً اكد احترام موقع نصر الله، لكنه لفت الى ان «الفصل بين رجل الدين ورجل السياسة شأن يستحيل تطبيقه في الاعلام».

وتدافعت هذه التطورات في لبنان في ظل إحياء ذكريين، عكستا الانقسام السياسي في البلد، الأولى للمعارضة لمناسبة مرور 19 سنة على اغتيال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي في طرابلس، شارك فيها أنصار الوزير السابق سليمان فرنجية، «حزب الله»، «التيار الوطني الحر»، رئيس الوزراء السابق الدكتور سليم الحص والأمير طلال ارسلان، وحلفاء آخرون للمعارضة.

وشارك عشرات الآلاف في المهرجان الذي هتفت الجموع فيه للرئيس السوري بشار الأسد وكرامي وفرنجية.

أما الذكرى الثانية، التي أحيتها قوى 14 آذار ورموز الأكثرية فهي مرور سنة على اغتيال الزميل الشهيد سمير قصير حيث أزيح ليلاً الستار عن تمثال له، بعد احتفال بتوزيع جائزة لأفضل مقالتين، قدمها الاتحاد الأوروبي حول دولة القانون، وتجمع أمام مكان اغتياله.

وشارك رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في الاحتفال بإزاحة الستار عن تمثال قصير.

وفيما شدد السنيورة على استكمال تحرير الارادة والمؤسسات من كل الوصايات ولقيام الدولة القادرة والعادلة ومنع التدخلات، شهد مهرجان طرابلس هجوماً عنيفاً من كرامي وسائر الخطباء على الحكومة، وعلى الاكثرية وقوى «14 آذار» وعلى رئيس حزب «القوات اللبنانية». ودعا بعض الخطباء الى اعادة محاكمة جعجع في قضية اغتيال الرئيس رشيد كرامي، التي كان اتهم فيها جعجع ثم صدر عفو عنه العام الماضي بعد انسحاب القوات السورية وإجراء الانتخابات النيابية.

وينتظر ان يعلن كرامي وحلفاؤه الاسبوع المقبل قيام جبهة للمعارضة.

ورد جعجع ليلاً بأنه «مع اعادة المحاكمة وفتح محاكمات بكل جرائم الحرب، مع فتح قضية كمال جنبلاط والمجزرة التي حصلت للرهبان الذين لا تقل اعمارهم عن 80 سنة والمجزرة التي حصلت في البقاع وفي الدامور واغتيال بشير الجميل ورينيه معوض والمفتي حسن خالد ومجزرة تل عباس وغيرها». ورأى «ان بعض الفرقاء ولأسباب سياسية ضيقة يوجهون أصابع الاتهام الى غير المجرم ويسمون من يريدون مجرماً. ورأى ان الرئيس عمر كرامي «يعرف اكثر من غيره حقيقة الاحكام القضائية التي صدرت بحقه». وإذ أبدى تقديره للسيد نصر الله وانه ضد «أي اساءة تطاول احدى الشخصيات السياسية والدينية»، رفض في المقابل النزول الى الشارع.

قاسم

وكان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أعلن ان اجتماع الرئيس الأميركي جورج بوش مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت قبل ايام في واشنطن شمل اتفاقاً على اعطاء هامش (للقيام) بسلة اغتيالات وأعمال أمنية على الساحة اللبنانية لاجراء تعديلات سياسية تساهم في تحريك الركود في الساحة بعد فشل من اعتمدت عليهم أميركا. وقال ان هذه «معلومات موثوقة» وأن اغتيال الأخوين مجذوب من «الجهاد الاسلامي» في صيدا الاسبوع الماضي «هو جزء من مجموعة رسائل... ليدخل الاسرائيلي على خط الحوار اللبناني».