الغد

حتى لو حاولنا تخفيف اللهجة، أو تناسي الواقع الشرق أوسطي فإن الحديث عن مواجهة بين الولايات المتحدة وسورية يبدو أحيانا مبالغا فيه، في ظل حديث عن مواجهة مع إيران. ولكن ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية عبر عن "مواجهة" بطرق أخرى، أو تناقض بين الدولتين تجلى بعدد من الإجراءات والضغوط ... فهل هناك بالفعل مواجهة؟!!

وإذا كانت هذه المواجهة في شقها الخارجي نوعا من النفاذ الاستراتيجي للولايات المتحدة داخل المنطقة، فإنها داخليا تعني أكثر من ضغوط أو محاولة كسر إرادات المجتمعات في المنطقة. فالولايات المتحدة لا تعتبر نفسها في "مواجهة" مع دول المنطقة، هذا إذا اعتبرنا أن ما يحدث بالفعل "مواجهة". فواشنطن ترسم خريطة العالم بغض النظر عن الشرق الأوسط، ودراسات مراكز الأبحاث الخاصة بها تتحدث عن مواجهتها مع العملاق الصيني تارة .. وتارة اخرى مع احتمالات ظهور قوى اقتصادية جديدة داخل اوروبا أو اليابان ... بينما يظهر الشرق الأوسط كنقطة فارقة في طريق هذه الاستراتيجية مملوءة بالعنف والدم.

"المواجهة" كما تفهمها الولايات المتحدة هي مع خطر متنامي .. بينما المنطقة في "خطر" يتصاعد مع ازدياد التطرف .. أما "المواجهة" مع سورية فربما تعني اختصار العلاقة المتفاوتة بين دمشق وواشنطن بمصطلح إعلامي يشد القارئ.

إن الولايات المتحدة امامها الكثير من الاستحقاقات في المنطقة، لكن كافة هذه الأمور ليست مواجهة بالمعنى الحقيقي للكلمة .. وسورية أمامها بالفعل "مواجهة" حقيقية، وذلك بغض النظر عن طبيعة الإستراتيجية الأمريكية. لأن دمشق تواجه اليوم عملية تحول سياسي على مستويين:

الأول – عربي حيث لم تعد السياسة الرسمية للنظام العربي قادرة على خلق قاعدة يمكن الاستناد إليها سواء في بناء موقف سياسي أو إجراء يتعلق بالمسائل الأساسية في المنطقة. فالنظام العربي لم يضع حتى اليوم إستراتيجية واقعية لمرحلة ما بعد "الصراع مع إسرائيل". وبالتالي فهو يقف اليوم ضمن مسار الترقب.

الثاني – اجتماعي او شعبي .. وذلك مع ظهور تناقض فاضح ما بين الطروحات الأمريكية التي تتبناها السياسات الرسمية والتفاعل الاجتماعي معها. وهذا ما يجعل التطرف سيد الموقف ولا يجعل المواجهة خاضعة لحساب دقيق أو تكتيك قادر على التعامل مع الولايات المتحدة كقوة تملك إرادة داخل العالم ككل.

المواجهة السورية اليوم هي مع الحقائق المنهارة داخل العالم العربي .. والتحول الذي تعيشه المنطقة دون وجود هدف واضح أو حقيقي .. والمواجهة السورية في النهاية تعيد إلى الأذهان مراحل التحول العصيبة في تاريخنا المعاصر، عندما يصبح الاختيار مستحيلا لأنه يدخلنا في متاهات جديدة. المواجهة السورية اليوم هي مع رهان المستقبل وقدرة المجتمع في فتح آفاق رغم الانهيارات المتلاحقة داخل العالم العربي.