الجمل

أطلق المفكران جوزف حرب و أحمد برقاوي مع مجموعة من المثقفين بياناً لتصحيح العلاقات السورية اللبنانية،و وضع الأمور ضمن سياقها التاريخي والاجتماعي، بعيداً عن الحساسيات السياسية التي يشعلها الفريقان المتخاصمان في (الحكومة السورية- والحكومة اللبنانية).
أسرة تحرير (الجمل) تدعو الإخوة القراء إلى قراءته، والتمعن فيه، ومناقشته وإبداء الرأي عبر دخولكم إلى الندوة:

بيان مثقفي سوريا ولبنان

نحن المثقفين السوريين واللبنانيين، نرى أنه آن الآوان لرفع صوت الثقافة عالياً، إذ باتت الحاجة لهذا الصوت ضرورية وملحة، لما للثقافة من أثر بعيد وعميق في جعل القضايا الوطنية والقومية والإنسانية. بمنأى عن أي موقع يكون سبباً في تأجيج الصراع بين مايجب أن يكون وفاقاً وتماسكاً في المبادئ المصيرية التي تحكم علاقة بلدين ينتميان إلى جذور عميقة واحدة، وتاريخ مشترك طويل، وجغرافية لا يستطيعان معها إلا أن ينتميا بحكم الضرورة إلى مايوفق، ويجمع، ويوحد.
وبما أن الرؤية الثقافية، هي أكثر عمقاً ووعياً من أية رؤية سياسية، إذ أنها لاترى إلى الحرية، والديمقراطية، والسيادة، والعدالة الاجتماعية، وحرية المعتقد والرأي، والحقوق المدنية والطبيعية، إلا بشكل متكامل وإنساني وعميق، فإنها مدعوة إلى تأدية دورها ورسالتها في إعادة سورية ولبنان إلى ما كتب عليهما من تاريخ قربى، وجغرافية ، وتواصل، ووطنية وقومية، وتنسيق، ومواقف مصيرية مشتركة، يؤازر أحدهما بها الآخر، لأنهما خارج هذا الإطار، لن يكونا إلا مادة للنزاع، والتمزق، والانقسام.
لهذه الأسباب نرى أنه لزام علينا أن نؤكد على النقاط التالية:
أولاً: يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى. فالأيدي التي رسمت خطوط حدود تجزئة بلاد الشام والعراق، وكتبت بالحقد وعد بلفور، تعود اليوم بقيادة الولايات المتحدة لترسم تجزئة جديدة باحتلال جديد.
فالاحتلال الأمريكي للعراق يستكمل شروط التقسيم الذي حدد ملامحه بريمر.
وبوش يعطي العدو الصهيوني الصورة النهائية لاغتصاب فلسطين وحقوق شعبها.
وهاهي إنذارات غورو لدمشق تتزيا اليوم بزي قرارات مجلس الأمن الممهورة بتوقيع بولتون المرصع صدره بوسام أرز لبنان ويا للأسف .
ثانياً : إن إدخال لبنان في دائرة التوسع أو الاحتلالات الأمريكية – والعراق نموذج من نماذجها – سيؤدي إلى إخضاع لبنان للأهداف الأمريكية في إقامة سلطة لا تتفق والوحدة الوطنية، والالتزام القومي. إذ إن غايات هذه الأهداف زعزعة الاستقرار الداخلي، والسعي إلى إقامة صلح منفرد مع إسرائيل، وجعل لبنان منطلقاً لحصار سورية، بحيث يقع البلدان الشقيقان في حالة من التناحر والتصادم، تلغي كل الروابط القومية والوطنية بينهما، ويخضع لبنان من خلالها لحالة من النزاع الداخلي لا تحمد عقباها. من هذا المنطلق، يترتب على سورية ولبنان، أن تكون الروابط المصيرية بينهما أشد و أقوى من أي زمن مضى، وهذا ما يفرض على لبنان اليوم خصوصاً، رفض كل الإملاءات الأمريكية، وإخراج نفسه من دائرة توسعها. ووصايتها، وتدخلها السافر في شؤونه الداخلية والاستراتيجية. كما يفرض على سورية أن تساعد لبنان في رفض الوصاية الأمريكية من خلال مساهمتها في تثبيت سيادته الوطنية، ومساعدته في لعب دوره الطليعي في كل مايتعلق بقضاياه القومية.
ثالثاً: منذ صدور القرار 1559 حتى الآن، وسورية تتعرض إلى جملة من القرارات الجائرة، والمواقف العدوانية، والتهديدات المتواصلة، بحيث بدت واضحة وبشكل جلي، الغاية الأساسية للسياسة التوسعية الاحتلالية الأمريكية. وإننا إذ نشجب كمثقفين مجمل هذه القرارات،ندعو الجميع إلى الدفاع عن حق سورية في وحدتها الوطنية والقومية، وإلغاء العقوبات الظالمة التي صدرت وقد تصدر بحقها، والوقوف الصارم ضد الغايات التوسعية الأمريكية ، والدعوة الملحة إلى إنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق ، والخروج من التعامل العدائي العنصري الصهيوني المستمر مع القضية الفلسطينية، والتراجع عن اجتياح الوطن العربي، وتفتيته، وتذويبه، وإباداته. ولا يتوهمن أحد أن السياسة التوحشية الأمريكية ستسعى إلى أقل من ذلك، إذا ظل الكثير من السياسات العربية الرسمية قائماً على خدمتها وتنفيذ أوامرها، ومساعدتها على تحقيق مخططاتها العدوانية.
رابعاً : إن مايجعل الموقف ضد التهديدات الأمريكية الدولية لسورية موقفاً أكثر مواجهة، وأعمق تحدياً، وأبعد تحصيناً إنما هو تمتين الوحدة الوطنية، وجعل كافة القوى الداخلية الوطنية قوى متراصة وموحدة، دفاعاً عن الشعب العربي السوري وجمهوريته الحرة والمستقلة. ذلك أن التهديدات الأمريكية الدولية ليست موجهة ضد النظام أو السلطة السورية، أكثر مما هي موجهة ضد سورية كياناً ودولة وسيادة ووحدة داخلية. إن إبعاد أي طرف وطني عن أداء دوره الطبيعي في دفاعه عن بلاده إنما هو إضعاف لحق سورية في أن يكون جميع مواطنيها مدافعاً عنها. وإن مايزيد من تماسك الوحدة الوطنية إنما هو تعزيز الديموقراطية، وتحصين المجتمع المدني، وتفعيل دوره من أجل دولة أكثر قدرة في الدفاع عن حريتها واستقلالها وسيادتها.
خامساً: لعله من نافل القول، ألا يكون لبنان وسورية ممراً لأي اعتداء يمارسه أحدهما على الآخر أو يساهم فيه أو يسعى إليه أو يتغاضى عنه. فما يصيب أي بلد منهما يصيب الآخر. وكلاهما مدعو إلى بناء العلاقات التكاملية بينهما، والمبنية على أرض صلبة من استراتيجية واقعية، يكون في خدمة حرية ومصالح واستقلال وسيادة البلدين، ومساعدة كل منهما الآخر في تعزيز الطمأنينة والاستقرار والسلام لديه.
سادساً: ندعو المسؤولين السياسيين الرسميين في كل من سورية ولبنان، أن ينطلقوا من مبدأ أن علاقة البلدين، لايصح إلا أن تكون مميزة، ومتكاملة، ومنسقة ، ومتوازنة ، وأن يسعوا إلى تغليب روح التضامن والتوافق والتآرز على أي شأن آخر. إذ إنهما محكومان بذلك تاريخياً وجغرافياً وقومياً ووطنياً، خصوصاً في القضايا المصيرية التي تدعو إلى التلاحم والمواجهة والاستقرار والتقدم.
سابعاً: ندعو بعض اللبنانيين إلى الخروج من الحس الفوقي والشحن العنصري، والطائفي والمذهبي، والتآمري والتراشق الإعلامي، واللغة الشتائمية والتهديدية النابية، كما ندعو بعض السوريين إلى الخروج من شعور الهيمنة، والخطاب الاتهامي والتخويني. كما ندعو إلى إخراج التحقيق الدولي في قضية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري من التداول، وحصره في لجنة التحقيق الدولية التي عليها أن تتعاطى مع هذه القضية بعدالة خالصة، وقضاء نزيه، غير خاضع لأي ضغط دولي وخصوصاً أمريكي، يحيد بالتحقيق عن مساره القضائي العادل.
ثامناً : على السلطة وكامل الأطراف اللبنانية أن تخرج موضوع المقاومة من أي بحث أو حوار أو تجاذب. وعليها اعتبار المقاومة حالة تحصين سيادي، ومصدر قوة وطنية، في سبيل تحرير ماتبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة. وإن أي بحث في سلاح المقاومة يكون خارج تعزيز الاستراتيجية الدفاعية للبنان، إنما هو بحث لا يصب نهاية الأمر إلا في مصلحة إسرائيل، وإن إثارة البعض لحجة أن هذا السلاح قد يوجه إلى الداخل اللبناني ، إنما هي ذريعة في سبيل إثارة الشك بالأخلاقية الوطنية لهذا السلاح.
تاسعاً : إن الاختلاف القائم بين نظامي البلدين يجب ألا يكون إلاّ عاملاً يغني علاقة البلدين، شرط أن تتوافر في كل من هذين النظامين عوامل إصلاحهما المستمر، وشروط العدالة الاجتماعية، وسيادة المجتمع المدني، وتحصين الحقوق المشروعة للجماعات والأفراد، والخطط الضرائبية العادلة ، والإنتاج الوطني المتقدم، وملاحقة الفساد وتشديد الرقابة على المحتكرين.
عاشراً: رفض أي تدخل خارجي في شؤون سورية ولبنان، تحت أية ذريعة كانت ومن أية جهة أتت. وتأسيساً على ذلك، فإن المثقفين السوريين واللبنانيين، وهم يدافعون عن حق الإنسان وحريته، ويطمحون لأن تكون علاقة الاتحاد الأوربي مع كل البلدين علاقات حسنة، يستنكرون بيان رئاسة الاتحاد الأوروبي ويرون فيه تدخلاً غير مشروع في الشؤون الداخلية السورية، خصوصاً وأن هذا البيان، في خلفياته، بجانب الحقيقة، ويخفي في طياته أهدافاً لا تمت إلى حقوق الإنسان بصلة.
أحد عشر: يستنكر المثقفون اللبنانيون والسوريون القرار 1680، الصادر عن الأمم المتحدة، والمتعلق بترسيم الحدود بين لبنان وسورية وإقامة علاقة دبلوماسية بينهما. إذ لا يحق للأمم المتحدة.
أن تتدخل في موضوع كهذا. مع العلم أن القرار قرار ساقط في الأساس على الصعيد القانوني. بالإضافة إلى أن مثقفي البلدين ينظرون إلى قضية ترسيم الحدود ، وإقامة العلاقات الدبلوماسية على أنهما أمران لا يخدمان الآن إلا الخلفية التي تضمرها السياسة الأمريكية في جعل هذين الأمرين غطاء لتعميق الهوة بين البلدين. ولهذا السبب، فإننا نرى إلى قضية العلاقات والترسيم، على أنهما ملفان يطرحان بين البلدين وهما في حالة من التواصل الأخوي، والهدوء العاقل، والعلاقات الطبيعية التي تحمل من شروط التكامل بني البلدين مالا يصحح معه أي صراع أو خلاف أو تناقض.
اثنا عشر: يطالب المثقفون اللبنانيون والسوريون السلطات السورية المختصة بالعفو عن المعتقلين من المثقفين السوريين ومن بينهم الذين وقعوا بيان دمشق- بيروت، بيروت-دمشق. علماً بأننا نرفض من موقعنا الوطني والقومي رفضاً قاطعاً الكثير من المواقف والقضايا والطروحات التي تضمنها البيان المذكور.
ثلاث عشر: دعوة المثقفين السوريين واللبنانين من متنورين وديموقراطيين وإصلاحيين وطليعيينن إلى إقامة مؤتمر ثقافي يتدارسون في الوضع السوري اللبناني ، ويعملون على ترسيخ الأسس الفكرية الوطنية والقومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمصيرية، في سبيل مستقبل يجعل من البلدين عبر استقلال وسيادة وحرية كل منهما، أكثر اتحاداً وتماسكاً وتفاعلاً عبر العناصر التكاملية التي توحدهما في مصير طبيعي مشترك.