مصطفى محمد الطحان

حتى نفهم الأحداث التي تسارعت خلال النصف الأول من عام 1967م، وأدت بالتالي إلى حرب مدمرة للجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن، واحتلت إسرائيل بموجبها كامل سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان.. لابد لنا من العودة قليلاً إلى الوراء..

أولاً- في أعقاب حرب السويس أو العدوان الثلاثي الذي وقع على مصر، والذي اضطرت فيها إسرائيل – أمام ضغط الإنذار الأمريكي – للانسحاب من سيناء التي احتلتها، فإنها لم تخرج بدون مكاسب.. هذه المكاسب كانت تتجلى في مرابطة قوات دولية على الأرض المصرية وفتح مضائق العقبة للملاحة الإسرائيلية.

لقد كان وجود القوات الدولية على أرض سيناء، وفتح الممرات المائية أمام إسرائيل والضمانات السرية التي أعطيت للأمريكان بتجميد الصراع مع إسرائيل لمدة عشر سنوات والقمح الأمريكي الذي يتدفق على مصر باسم السلام وصداقة الشعوب، مما يحرج زعامة عبد الناصر قائد الثورة المصرية والجماهير العربية. كان عبد الناصر يتحين الفرصة لإزالة هذا العار الذي لحق به منذ حرب السويس.. خاصة وأنه كان يحتفل سنوياً بعيد النصر، أي انتصاره على قوات إسرائيل وفرنسا وبريطانيا في حرب السويس.

ثانياً- بعد سقوط الوحدة السورية المصرية شعر عبد الناصر بسقوط زعامته، ولهذا فقد كان يفتش عن انتصارات أخرى تعوضه عن هذا السقوط، وجد بعض ضالته في انقلاب اليمن وليبيا، ولكن نظره لم يتجاوز سوريا وفلسطين.. فقد كانت زعامته مرتبطة بهما.

ثالثاً- وفجاة... وجدها عبد الناصر فألقى خطاباً حذر فيه الأمة العربية من الكارثة التي تتعرض لها.. فقد أنهت إسرائيل أعمالها في تحويل مياه نهر الأردن لإرواء النقب.. وهذا العمل الذي سيمكن إسرائيل من استقدام المزيد من المهاجرين اليهود يعتبر تحدياً سافراً لمقررات الجامعة العربية التي تؤكد تصميم العرب على وقف التحويل بالقوة.. ولهذا فإنه يدعو الحكام والملوك والرؤساء العرب للتشاور جميعاً حول الموقف الواجب اتخاذه تجاه إسرائيل.

وانعقد مؤتمر القمة الأول في القاهرة عام 1963م والثاني في الإسكندرية.. وهناك اتفقت كلمتهم على مواجهة التحدي الإسرائيلي بالمبادرة فوراً بتحويل روافد نهر الأردن. في سوريا ولبنان.. وهو حق من حقوق سيادة الدول في مياهها الإقليمية.

وأعلنت إسرائيل أن هذا العمل هو عدوان على حقوق إسرائيل في المياه.. وأنه عمل عدواني.. وبالفعل قامت بضرب الآلات التي تعمل بالمشروع وعطلتها.

فماذا كانت ردة الفعل العربية؟

كانت عبارة عن الدعوة إلى مؤتمر قمة جديد في الدار البيضاء أهم مقرراته:

التضامن العربي، أي التعايش السلمي بين الأنظمة المختلفة.

قرار سري بتحديد وقت استكمال الخطة العربية العسكرية، والوصول إلى مركز القوة للردع، ثم الانتقال إلى مركز التصدي والتعرض. وكانت المدة المقررة لذلك هي ثلاث سنين.

خلال ذلك يتم تحاشي إعطاء المبرر لإسرائيل، وعليه فقد اتفقوا على ضرورة الحد من أعمال التسلل.

رابعاً- من المستجدات على الساحة العربية والتي يمكن اعتبارها سبباً رئيساً في حرب 5 يونيو 1967م كان بروز منظمة العاصفة التابعة لمنظمة فتح الفدائية التي بدأت بشن غاراتها على إٍسرائيل منذ أوائل عام 1964م، وهذه العمليات هي التي تسببت في الهجوم الإسرائيلي على قرية السموع في 13 نوفمبر 1966م، ومهاجمة سوريا في 7 أبريل 1967م والتهديد باحتلالها.

ومنظمة فتح لم تكن تثق بحكومات الدول العربية التي كانت بنظرها حكومات متآمرة على القضية الفلسطينية.. كما أن حكام هذه الدول كانوا يحاولون استغلال وتحطيم هذه النبتة الجديدة المزعجة.

خامساً- في أواخر سنة 1964م بدأت العلاقات المصرية الأمريكية بالتدهور وخاصة بعد قيام مصر بغارات على المملكة العربية السعودية بسبب الحرب في اليمن، وإسقاط طائرة أمريكية خاصة فوق الأراضي المصرية، وخطاب عبد الناصر الذي قال فيه للأمريكيين: اشربوا ماء البحر، ومنها النغمة الجديدة التي بدأت تتصاعد من مؤتمرات القمة العربية.. والعمل على تحويل روافد نهر الأردن وتشكيل القيادة العربية الموحدة في محاولة للتصدي لإسرائيل.

والخلاصة

إن هذه الأسباب الخمسة:

رغبة عبد الناصر لأسباب كثيرة في إغلاق المضائق.

محاولة عبد الناصر التخلص من آثار الانفصال عن سوريا بنصر سياسي جديد.

قرار تحويل روافد نهر الأردن.

قيام منظمة فتح.

تدهور العلاقات المصرية الأمريكية.

هي التي استغلتها إسرائيل، واعتبرتها فرصة العمر، وكان نظرها وأحلامها تطيف بالقدس والضفة الغربية أو يهودا والسامرة كما كانت تسميها.. فما أن تهيأت الأسباب حتى كان الهجوم الإسرائيلي في 5 يونيو 1967م ابتداءً من الجبهة المصرية فالأردنية فالسورية والتي أنتجت ما تعارف عليه المحللون فيما بعد بحرب الأيام الستة أو النكسة.