اذا صحت الأرقام، ولا قيمة لصحيحها عندما تتعلق بالبشر والارواح، وصدقت التقديرات، وكان عدد قتلى العراق حتى الآن 120 الفا، بمن فيهم اصحاب الرؤوس التي وضعت في صندوق بطيخ (رجي)، فإن الرقم يثير ذكرى شديدة المرارة في النفوس. فالتاريخ يقول، وهو ايضا تقريبي لأن قيمة النفس البشرية في العالم العربي لم تتغير، انه بعد وفاة الحجاج أحصي الذين قتلهم فكانوا عشرين الفا ومائة الف. وكان في سجنه بعد موته خمسون الف رجل وثلاثون الف امرأة.

ولا ندري كم هو عدد نزلاء سجن ابو غريب الآن، بجناحيه الاميركي والعراقي. وتتذكر الناس دوماً جور الحجاج وخطبته الشهيرة في اهل العراق. ويدرّسه العرب في مدارسهم وجامعاتهم من دون حرف استنكار واحد. وتوحي جميع كتب التاريخ والاداب بأن الحجاج كان واليا ناجحا وان تطويع اهل العراق كان إنجازا. وتروي حكايات الرقاب التي ضربها على انها امثال، بما فيها رقاب المرضى الذين توسلوه ألا يرسلهم الى القتال.

ويخيل اليّ ان الثقافة التي تجاوزت قتل الحجاج لـ 120 الف بشري هي التي جعلتنا نتفرج بعد حوالي 13 قرنا على ذبح 120 الف عراقي وايدينا مكتوفة خلف ظهورنا. ولو كان الزرقاوي في فصاحة الحجاج لأدخلنا خطبته ايضا في دروس الادب العربي. والحمد لله انه قاتل بغير بلاغة.

تروي لنا كتب الخطب والتاريخ والآداب مقاتل الحجاج وأقواله ولا تحكي لنا الفصل الاخير من حياته. لا يروي احد كيف كان عقاب الرجل الذي كان مجده التاريخي عدد الاعناق التي ضربها. وخلاصة الصفحة الاخيرة انه هلك بأكلة في بطنه. واصيب بالزمهرير فكانت الكوانين (المواقد) تجعل حوله مملوءة نارا وتدنى منه حتى تحرق جلده وهو لا يحس بها. وفي تألمه شكا الى الحسن البصري مما هو فيه فقال له: «قد كنت نهيتك ان لا تتعرض الى الصالحين». فقال: «يا حسن لا اسألك ان تسأل الله ان يفرج عني ولكن ان يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي». واقام على ذلك خمسة عشر يوما ثم توفي عن 54 عاما ومدة ولايته على العراق 20 سنة. مات بواسط، التي بناها بين الكوفة والبصرة، ودفن فيها، ثم عفي قبره واخفي اثره، لكي لا يتعرف اليه اهالي ضحاياه. وكانوا 120 الفا. و50 الف سجين. و30 الف سجينة. وبقي في الذاكرة العربية انه كان خطيبا.