في 22-23 آذار (مارس) الماضي، حصل لقاء لم يحظ بما يستحقّ من اهتمام. ففي منتجع هليغندام الألماني على البلطيق، اجتمع وزراء خارجية الدول الست الأكبر في الاتحاد الأوروبي، فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبولندا وبريطانيا واسبانيا، وقرروا إعادة النظر في «عقود الاندماج» بالنسبة الى المهاجرين المحتملين الى بلدان الاتحاد.

وتقليداً لما كانت أقدمت عليه ولاية بادن-وتنبرغ الألمانيّة، غدا مطلوباً من كل راغب بالاقامة في البلدان تلك إظهار فهمه للقيم الأوروبيّة وتعهّد اتّباعها. فإن لم يفعل، حُرم وثيقة الإقامة وواجه احتمال الطرد.

وما لا شكّ فيه أن الخوف من الإرهاب، لا سيّما بعد 11/9، أهمّ الأسباب وراء توجّه كهذا، علماً أن أقطاباً سياسيين، كوزير داخليّة فرنسا نيكولا ساركوزي، يؤيّدون التوجّه المذكور، بإرهاب أو من دونه.

لكن لا بدّ، هنا، من بضعة تحفّظات - أسئلة:

فأوّلاً، كان يمكن لسياسة كتلك أن تبدو أكثر تماسكاً وعدلاً فيما لو قرنت مسألة القيم بمسألة العنصريّة، أي لو أضافت إجراءات تجريميّة بحق الذين يمارسون التمييز ضد المهاجرين في مجالات العمل والتعليم والإقامة. وقد جاء التقرير الأخير لـ «مركز الرصد الأوروبي للعنصريّة وكراهية الأجانب» (EUMC) يدلّ الى مدى انتشار التمييز هذا وشيوعه. والحال أن سلوكاً كذاك كان لينمّ عن حرص أكبر على مصلحة أوروبا نفسها، ما دام أن الكثير من شركاتها وخدماتها العامّة يعجز عن الاستمرار من دون مهاجرين يعملون بأجور أقلّ وضمانات اجتماعيّة أدنى بلا قياس. وهذا من دون أن نذكّر بالحقيقة التي غدت مُسلّمة، ومفادها أن أوروبا تشيخ، ولن تستطيع بذاتها أن تنتج العمل المطلوب لإعالة مُسنّيها.

وثانياً، صحيح أن الأصوليّ الإسلاميّ المتطرّف قد يذهب في ممارسة العنف ضدّ قيم يرفضها أبعد مما يذهب محافظ أوروبي مؤمن يرفض القيم نفسها. بيد أن هذا لا يلغي، من حيث المبدأ، أن الإجهاض والطلاق والمثليّة الجنسيّة في بلد كبولندا، وفي بعض بلدان الجنوب الأوروبيّ، لا تزال تلقى من الرفض بعض أشدّه وأقساه. لكنْ عملاً بالتوجّه الأخير، يُعفى الأوروبي «الأصليّ» من المساءلة في أمر كهذا فيؤسَّس، بالتالي، تمييز يتعارض مع ما يستدعيه مبدأ المواطنة والمساواة فيها.

وثالثاً، وأبعد من النقاش كما طرحه لقاء هليغندام، يصحّ التساؤل أصلاً: الى أيّ حدّ يجوز فرض أنظمة القيم فرضاً، وأين يمكن رسم الخطّ الفاصل بين قيم غدت مُتضمّنَة في شبكة الهيمنة الأخلاقيّة المعمول بها، وقيم لا تزال، من حيث المبدأ، خلافيّة ومتنازَعاً عليها؟ واستطراداً، أين تقف حدود الليبراليّة والتسامح؟

غني عن القول إننا نشهد، في الغرب عموماً وإن بتفاوت، ميلاً متعاظماً الى تطبيق مبدأ «الليبراليّة لا تسري إلا على الليبراليين»، بعدما ظهرت بُعيد 11/9 نظريّة أن «الديموقراطيّة لا تصحّ إلا في الصلة بالديموقراطيين». وهذا إذا ما كانت جسيمةً مسؤوليّةُ الإرهاب، العربي والمسلم، فيه، فإن مسؤوليّة الأوروبيين، في حال اتّباع النهج الأمنيّ، لن تكون أقلّ جسامة. ذاك أنها، وبضربة واحدة، تسيء الى كونيّة القيم فيما هي تحاول فرضها، وتسيء الى مصالح العولمة والتداخُل الانسانيّ فيما هي تحاول الانتصار لها.