طالعتنا الأخبار صباح اليوم بنبأ عاجل يتحدث عن قيام مجموعة مسلحة بمحاولة اقتحام مبنى تابع للتلفزيون السوري، ثم عادت الأنباء لتصحيح الخبر بأن المجموعة حاولت اقتحام مبنى مهجور يقع خلف مبنى التلفزيون.

ولأن هذه هي المرة الثانية التي يحاول فيها مسلحون اقتحام مبنى مهجور (المرة الأولى كانت قبل عامين تقريباً عندما قاموا بهجوم صاروخي على مبنى مهجور تابع للأمم المتحدة حسب الرواية الرسمية) فقد علق أحد الأصدقاء مازحاً أن مثل هذه الأخبار دليل أكيد على مدى الترف والرفاهية اللذين يعيش فيهما الشعب السوري في ظل منجزات حكومة البعث حتى لجأ أفراد منه إلى اقتحام مباني مهجورة، ولا يوجد تعليل في هذه الحالة إلا لاصطياد الأشباح، وهي هواية موجودة بكثرة في الغرب الذي وصلت شعوبه إلى حد من الترف والفراغ يدفعها إلى البحث عن الإثارة في مطاردة الأشباح.

لا يخفى على أحد الهدف من هذه الإعلانات المسرحية التي يخرج علينا بها مخرجون من مدرسة الاتحاد السوفيتي الإعلامية البائدة، التي تعتمد على المصدر الوحيد للخبر، والجمهور المضطر بالقوة لتصديق الرواية الرسمية.

فالنظام السوري الذي يعاني مشاكل خارجية وداخلية، وبدأ يفقد صوابه نتيجة ارتفاع وتيرة التحدي لدى المعارضة الداخلية، وظهور اتجاهات سياسية واضحة – بعيداً عن أمريكا – لدى المعارضة الخارجية يحاول اكتساب التعاطف الدولي معه من باب التخويف بالمد الأصولي وإظهار نفسه الضمانة الوحيدة في وجه ظهور مجموعات أصولية مسلحة تستولي على السلطة وتعلن الحرب على العالم كله، وبالتالي سيجد المجتمع الدولي نفسه أمام خيارين أحلاهما مر، إما النظام الدكتاتوري الفاسد الذي يصادر حريات شعبه ويضطهده ويلعب بورقتي لبنان والمنظمات الفلسطينية، والمستعد دائماً لإعطاء التنازلات المطلوبة منه طالما يضمن بقاءه في الحكم، أو ظهور منظمات أصولية تدعم المقاتلين في العراق وتسعى للهجوم على الإسرائيليين عبر الحدود التي ضمن النظام أمنها طيلة السنوات الثلاثين الماضية

الطريف أن مسؤولي نظام دمشق يعتقدون أن العالم كله على نفس درجة الغباء التي يتمتع بها مسئولو مخابراتهم الذين لم يفلحوا طيلة أربعين عاماً إلا في إحكام قبضة الإرهاب والقمع على الشعب السوري – والشعب اللبناني الشقيق من باب وحدة المصير – وتركوا "العدو الصهيوني" يسرح ويمرح بمخابراته وجيوشه وضرباته التي تصل إلى قلب سورية.

لذلك فهم لا يتعبون أنفسهم في ابتكار سيناريوهات جديدة لمثل هذه الهجمات الكاريكاتيرية، فالهجوم على مبنى مهجور تابع للأمم المتحدة انتهى بمقتل بعض المهاجمين واعتقال آخرين، إضافة إلى شرطي وامرأة من المارين في الشارع، وهو ما حصل في الهجوم على المبنى (المهجور) الآخر الذي قتل فيه شرطي (ربما يكون سائق السيارة التي نقلت الجثث التي عرضها التلفزيون من قبو أحد أجهزة المخابرات إلى المبنى المهجور وتم إخراسه بالطريقة الديمقراطية المشهورة عن أجهزة الأمن السورية)، ولا يكلف أحد هؤلاء العباقرة نفسه فيحاول الإجابة على سؤال بديهي: لماذا يخاطر هؤلاء بأرواحهم لمهاجمة مباني مهجورة في دمشق التي لا يأمن الإنسان فيها أن يدخل إلى حمام بيته ليلاً دون أن تعرف به أجهزة المخابرات التسعة والتسعين؟

لكن هؤلاء الأذكياء أنفسهم لا يغفلون عن إضافة دليل يؤكد أن المجموعة الإرهابية إسلامية أصولية، لذلك تورد وكالة الأنباء السورية ضمن قائمة الأشياء التي وجدت بحوزتهم (أشرطة تضم مواعظ وخطب إسلامية)، أي أن عشرة أشخاص خرجوا فجر اليوم في دمشق يحملون أسلحة (أمريكية الصنع) ويستمعون إلى خطب ومواعظ دينية على أجهزة الووكمان لتحمسهم أثناء قيامهم بمهاجمة مبنى مهجور!

ولزيادة الإخراج سوءاً، يصرح فايز الصايغ (مدير التلفزيون السوري) بعد ساعات من الحادث أن مجموعة أصولية متطرفة قامت بالهجوم، أي أن مدير عام التلفزيون أصبح لديه فكرة واضحة عن سبب الهجوم ومن قام به بعد ساعات فقط من حدوثه، أو أنه صرح بما يعتقده الأفضل لاستدرار التعاطف الدولي مع نظام دمشق الذي يقف كصخرة النجاة الأخيرة في وجه التطرف الأصولي.

الجزء الأكثر طرافة في الخطة هو محاولة النظام صيد عصفورين بحجر واحد. فإضافة إلى التعتيم على أخبار المثقفين الأحرار المعتقلين الآن والذين يضرب أحدهم عن الطعام منذ أكثر من أسبوع، يريد النظام الاستفادة من هذه المسرحية في مهاجمة إحدى دولتين مجاورتين، حيث أعلن عن أن المجموعة حصلت على السلاح من (دولة مجاورة) حسب الخبر الذي بثته الجزيرة مساء، وهو بهذا الإعلان يترك الخيار مفتوحاً في تحديد أي دولة يرغب في مهاجمتها بحسب ردود الأفعال الصادرة من الأردن ولبنان، أما العراق فوجود القوات الأمريكية والتزام النظام السوري بضبط الحدود يؤدي إلى استبعاده، وبالطبع فالنظام أجبن من أن يتهم تركيا – حتى لو جاءت الأسلحة المفترضة منها.

على نظام دمشق أن يعرف أنه يحتاج إلى إخراج أفضل من هذا إن كان يريد الحصول على التعاطف الدولي، وهذا أمر مستبعد، لأنه إن لم ينجح في إقناع أمثالي من المبتدئين فمن باب أولى أن يعجز عن إقناع المختصين.