امير مخول

القوى الطاغية دوليا عاقبت جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع لانها اجرت انتخابات دمقراطية للمجلس التشريعي لا مثيل لها في ظل الاحتلال. انتخابات عبرت عن الارادة الشعبية لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني وعكست ارادة شعبنا العامة المصممة على النضال من اجل كنس الاحتلال والتحرر الوطني وحق العودة, وعدم الرضوخ للاملاءات الامريكية الاسرائيلية ورفض اخضاع الحق الفلسطيني لمعايير القوة الحالية احادية الجانب والرأس.

وان كانت وثيقة الاسرى معقولة كاساس لحوار وطني من حيث مضمونها وما تبقيه من هامش وامكانيات لتفسير بنودها من قبل كل طرف, الا ان اساءة استخدامها وبالذات من قيادات في حركة فتح ومقربة من رئاسة السلطة الفلسطينية قد حولتها الى اداة للصراع بدلا من الوفاق الوطني. وقرار رئيس السلطة الفلسطينية احالتها لاستفتاء شعبي قد يفقدها مصداقيتها كونها تستخدم وظيفيا – بخلاف مضمونها واهدافها - لشطب قرار جماهير الشعب الفلسطيني في انتخابات المجلس التشريعي الاخيرة انها تستخدم لسلب ارادة الشعب الفلسطيني رضوخا للاملاءات وللعدوان الاسرائيلي والدولي الجائر على هذه الارادة.

فالاستفتاء يستخدم عادة لبلورة وتعزيز الوحدة الوطنية في مثل ظروف الشعب الفلسطيني, لكن ما يلوح به من استفتاء هو التفاف على الحوار الوطني بين من انتخبوا اي تم تخويلهم اتخاذ القرار. انه تسديد ضربة قد تكون في غاية الخطورة للوحدة الوطنية الفلسطينية واحداث شرخ سيدفع شعبنا ثمنه غاليا. والحديث ليس عن اجراءات الاستفتاء التي قد تبدو استنفدت لكنها اجراءات صورية لتراجع وطني خطير.

هذا فلسطينيا, وفي مقابل اسرائيل فالمحاججة ان في هذا القرار الرئاسي اخذ زمام الامور, فيه محاصرة ذاتية لدور السلطة الفلسطينية للداخل الفلسطيني وليس للخارج بمفهوم السيادة والحماية. ان مثل هذه المعادلة بل اتاحة المجال للولايات المتحدة واسرائيل بتثبيت تفوقهما على الارادة الفلسطينية المستقلة وهي اغلى ما يملك شعبنا اليوم. فما يجري فعليا ان "اخذ زمام الامور" يتم في حلقة الاملاءات الامريكية الاسرائيلية وليس في اطار السيادة الفلسطينية. وتطويع الارادة الفلسطينية للاملاءات الدولية الاسرائيلية الامريكية هو تخلي عن اركان الارادة الفلسطينية وحركة التحرر الوطني الفلسطيني وضرب

اسرائيل والولايات المتحدة اثبتتا حقا انهما قادرتان على هزم جيوش وانظمة لكن ليس شعوبا مناضلة, وكذلك ليس انظمة تحترم شعوبها وارادتها, وان كان عدوانهما المتواصل قد جوبه فلسطينيا بصقل الوحدة الوطنية والمقاومة, فان الحالة الفلسطينية الراهنة تسدد ضربة فلسطينية ذاتية لهذه الوحدة ولهذا الصمود.

سوف يتخطى شعبنا استفتاء الالتفاف على الارادة الوطنية وتطويعها لارادات اخرى, لكن الثمن لن يدفعه من قرر الاستفتاء وانما شعبنا بلحمته الداخلية ووحدته النضالية.

مجرد اجراء الاستفتاء سيجعل اسرائيل معفية من تبعات جرائمها التاريخية واليومية وسيجري عملية غسل الجرائم الاسرائيلية بايد فلسطينية باسم الواقعية وتحت شعار "استراتيجية المفاوضات" المحكومة مسبقا بميزان القوى الاسرائيلي والتي تستبعد ارادة الشعب الففلسطيني كونها لا تعبر عن روحه. كما ان الاستفتاء يسهم بمجرد المبادرة اليه بمحاصرة المقاومة الفلسطينية للاحتلال وتجريمها.

هناك قوى فلسطينية محلية داخل الخط الاخضر رات من دورها التجند الاعمي الى صالح فتح بدل التجند للدفاع عن نتائج انتخابات التشريعي, وهناك من حدد موقفه على اساس فئوى وليس على اساس وطني مرجعيته ارادة الشعب الفلسطيني. ليس المطلوب من اية قوة سياسية وطنية في الداخل ان تدعم هذا الطرف او ذاك, لكن واجبها الوطني ان تحترم نتائج الانتخابات وتدافع عنها.

استفتاء اي استفتاء يحدد حدودا مستقبلية للدولة او للقضية الفلسطينية اي يتعلق بالحل الدائم مرجعيته هي الشعب الفلسطيني كله وليس جماهير شعبنا في الضفة والقطاع وحدها. اليس من حق اللاجئين في الشتات ان يشاركوا في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية وأليس من حق جماهيرنا فلسطينيي48 ان تشارك في تقرير المصير, ام ان الجزئين الاخيرين اصبحا عبئا على قيادات فلسطينية وليسوا شركاء في رسم ملامح المستقبل الفلسطيني؟!

رئيس السلطة الفلسطينية هو رسميا رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, وهو بقراره الاستفتاء انما يخضع م ت ف للسلطة الفلسطينية المحكومة بسقف اتفاقيات اوسلو التي حررت اسرائيل ذاتها من الالتزام بها بعد ان افشلتها, وابقتها ملزمة للفلسطينين فقط.

ان نداء الوجب الفلسطيني الى رئاسة السلطة وم ت ف الرسمية ان كفوا عن محاولات تطويع الارادة الفلسطينية احترموا فعلا نتائج انتخابات المجلس التشريعي وفوز حماس بها ولن يكون اسلم من تقاسم السلطة بين الرئاسة والحكومة وفق المرجعيات الفلسطينية.

ان وثيقة الاسرى صادرة عن مناضلين حقيقيين, لكن المجلس التشريعي مركب من مناضلين فلسطينيين ايضا, وهو انتخب وهو المخوّل من جماهير الشعب الفلسطيني, واساءة استخدام الوثيقة من قبل قيادات فلسطينية عليا قد يؤدي الى انشقاق في الحركة الاسيرة وبالذات في الوحدة الوطنية الاسلامية التي اثبتت انها الاساس لصمود الاسرى كجزء من صمود شعبنا.

فمن يريد ارادة حرة للشعب الفلسطيني عليه اولا وقبل كل شيء احترام هذه الارادة والدفاع عنها دون هوادة فلسطينيا ودوليا, وعليه دعم الحكومة الفلسطينية وشرعيتها وعدم الالتفاف من خلال استفتاء يبدو لدعم الارادة الفلسطينية لكنه ما يقف وراءه هو ارادة الغير المفروضة!!

5/6/2006