نجيب نصير

الغالبية العظمى من شعوبنا العربية، لا تؤمن بالتكنولوجيا، ليس لأنها قدرية، وليس لأنها لا تستعمل التكنولوجيات المختلفة، وليس لتناقض الذهنية معها، ليس لهذه التقديرات التي ربما جاءت اطلاقية أو تعميمية بعض الشيء، وإنما لأنها صادرة عن الغرب، على الرغم من انبهارهم بها وتهافتهم على شراء تطبيقاتها ذات الاستعمال الفردي ذي الفائدة الذي تدعم الاستغناء عن الآخر، بل معاداته ويظهر ذلك من الخرزات الزرق أو حدوات الحصان والتمائم التي تعلق على عنق نول النسيج التايواني الالكتروني أو خط إنتاج العلكة أو الشيبس ومثلها على المرسيدس الفاخرة أو سيارة التاكسي الدرويشة. وكل هذا ليس مشكلة طالما الموضوع يشكل راحة نفسية لمستعمله، ولكن المشكلة ان يتم التنظير ونسج الحكايات والأمثلة عن تساوي منتج ومستهلك التكنولوجيا، فالأول ينتمي إلى عالم مادي حقير ينتج المشاكل والأزمات الاجتماعية من تحلل أخلاقي وانتحار وووالخ، والثاني ينتج القيم الروحية والشرف والأخلاق، في ترجيح واضح لأفضلية الثاني عن الأول في محاولة ( وتبدو ناجحة ومنتصرة ) على إثبات فكرة العيش دون فضائل التكنولوجيا أو على الأقل استيراد واستهلاك الضروري منها، والذي يتناسب مع مستلزمات السوق بغض النظر عن تحيد هذا السوق، سياسيا كان أم استهلاكيا أم أيديولوجيا، حيث يبدو هذا الخيار قاتلا على مستوى الاجتماعي، حيث يتم استكمال نصف الصورة من ادعاءات روحية وما ورائية تشرف حالة التخلف والتواكل مرتجلة حالة صراع واهية تبيح لها النق والنقيق من الظلم الخارجي، ومهيأة الظرف للسكون الاجتماعي السياسي كظلم داخلي، حيث يتحول التخلي عن المنتجات الروحية هو تخل عن الشرف ما يقود وفورا إلى العنف، فالمظلوم بهذه الطريقة الضارية يتوجب عليه الرد بطريقة ما حتى لو كان هذا الظلم من صنع يديه. فالقعود عن مكافحة التخلف بتضخيم قيم القيم البدائية على حساب التقدم هو ما يجعل الساحة مستباحة للظلم الداخلي والخارجي بسبب عدم إدراكه قبل وخلال وقوعه بالإضافة إلى عدم وجود الإمكانية للعيش بدونه، لذلك يبدو السؤال مشروعا: إذا كان من أية أهمية لوجود الشعوب العربية لولا هذه الأزمات الظالمة التي نتعرض لها بوصفنا سوقا للتكنولوجيا.

ان التعبير الوحيد هو العنف طالما قررنا استخدام الروح في غير مطرحها لا العقل في مكانه، وطالما قررنا استخدام التكنولوجيا التي تقبل بها إمكانياتنا المعرفية، ورفضنا الجزء الذي لم يستوعب عقلنا انه تكنولوجيا …. كالدولة والمؤسسات والديموقراطية والصحافة والشفافية الخ وربما بعد قرنين من الزمان تصبح الحكومة الالكترونية ضرورة، فهل سنبادر للثقة بها ؟

قد نكون نحن من اخترع الدولاب والقدر (الطنجرة الفخارية) وغيرها من تكنولوجيات العصور الغابرة والتي أدت إلى تغيرات اجتماعية هائلة قبلنا بها في تلك العصور، فكيف لنا اليوم ونحن في هذه الحال من قبول تكنولوجيا بمعزل عن تأثيراتها ؟

ربما كان السؤال أقسى بكثير لأنه يتناول وجودنا بالتقاطع مع التكنولوجيا وتأثيراتها فأما ان نعاند وننهزم وإما ان نبادر للثقة بالتكنولوجيا كحزمة واحدة ليبدو الأمل بالهزيمة كأمنية قابلة للتحقق عبر العمل وليس بواسطة تكنولوجيا كشف الحسد.