رجــــاء الناصــــر

في سلسلة دروس النكسة التي قدمـها حزب الاتحـــــاد الاشتراكـــي العربـــــــــي ( الديمقراطي ) اثر هزيمة حزيران 1967 خلص الاتحاد الاشتراكي الى ان تجاوز النكسة لا يتم الا عبر الديمقراطية و اعادة الاعتبار الى الحرية باعتبارها المدخل و الحصن الاساسي للمواجهة ، مع تأكيده على أهميــة تجــــاوز النكــــسة و التخلص من اثارها باعتباره هدفا استراتيجيا للأمة يطرح عليها هدف التحرر الوطني المتكامل و المرتكز على الديمقراطية .

و لعل هذا ما امسك به جمال عبد الناصر عندما ربط ازالة اثار العدوان كهدف استراتيجي ببيان 30 مارس / آذار الذي يؤكد على اجراء تغييرات ديمقراطية تسقط دولة المخابرات و تسقط معها الدولة الامنية .

تلك القراءة التي سبقت المتغيرات العالمية ، التي رفعت من قيمة شعارات الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان على حساب النظام الشمولي و الدولة الامنية ، بل فتحت الطريق لها عبر التحولات الثقافية الهامة التي طرحها حزب الاتحاد الاشتراكي و عموم الحركة الناصرية ، فكانت التعددية السياسية و الحزبية خيارا استراتيجيا للعمل السياسي ، و كانت المنظمة العربية لحقوق الانسان ترجمة لسيادة اولية هذه الحقوق و اعادة الاعتبار الى الكائن الانساني باعتباره كيانا يستحق الاحترام بعيدا عن دمجه في الشخصية الوطنية الجامعة التي تسحق فردانية الفرد و شخصيته المستقلة .

و ساهمت هذه الافكار و الصياغات السياسية على التعامل مع المتغيرات الانسانية و التي صبّت في هذا الاتجاه دون حدوث ( صدمة التغيير ) التي ألمت بكثير من القوى السياسية الاخرى التي ادت بها الى فقدان التوازن ، فلحقت بالمتغيرات بشكل مفاجئ حاملة معها انشقاقات الصدمة ، او الانتقال من النقيض الى النقيض دون مراجعة جدية داخلية فتحولت قوى يسارية الى ( ليبرالية جديدة ) ، و حول بعضها البندقية من كتف الى آخر و ظهر تناقض لدى آخرين بين خطابهم العقيدي ، و خطابهم السياسي و اختلطت المفاهيم لدى آخــرين بحـــيث حمــــلت الشـــيء و نقيضه لتفرض معها تحالفات و صيغ مركبة و معقدة لا يجمعها اهدافــا انيــــة و قراءات متسرعة سرعان ما تنقض او تتناقض قبل تحقيق اهدافها المشتركة .

و لعل الامساك بتلك القراءة لدروس النكسة التي تمر ذكراها الـ 39 في هذه الايام و لتدفع الى الذاكرة معها تداعيات الاجتياح الصهيوني للبنان قبل ما يقارب من ربع قرن ، تدفع بنا للتمسك بثنائية العلاقة بين حرية الوطن و حرية المواطن ، فلا حرية للمواطن في وطن مستبد او تابع للهيمنة الخارجية و لا حرية للوطن في ظل الاستبداد .

و هي ثنائية يعمل البعض على تفكيكها ليضع الحرية و الديمقراطية في مواجهة الوطنية و ليقود الامة الى ذات النتائج الكارثية عندما رفعت الديمقراطية في مواجهة الوحدة و لتضيع معها على الامة فرصة تاريخية في التوحد و التقـــــــدم و الحرية ، او يرفع شعار الوطنية بمواجهة مطلب الحرية و الديمقراطية و كأن مواجهة التحديات و المخاطر الخارجية تتم و تنجز في مجتمع يفتقد الحريـــــــــة و تعشعش فيه كل مظاهر الفساد و الاستبداد ، و ليرتفع بذلك الملك فــــــــوق الله و الوطن بل يضحى هو الاله و الوطن .

و لا يكتفي اولئك بوضع شعار الحرية بمواجهة الوطنية بل يخلق وطنية قطرية يتحصن بها بديلا عن الوطنية - القومية في ذات الوقت الذي يدرك فيه ان المخطط الدولي و الاقليمي يستهدف المنطقة كلها فما يجري في العراق و لبنان هو تماما مع بعض الخلاف في التفاصيل ما هو مرسوم لسورية او حتــــى لمصــــر و الخليج الخ .... و في هذه الوطنية القطرية المتنازل عليها او المتمسك بها كشعار يتوافق دعاتهما على اعتبارها البديل لصراع وطني قومي شامل في مواجهة المخطط الصهيوني – الامريكي الشامي