لا شك في أن أسلوب الصمت المطبق الذي استعمله القاضي " سيرج براميرتز" رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ، خلال عمله على كشف أسرار تلك الجريمة، قد أعطاه مصداقية لدى الصحافة والرأي العام إفتقد إليها "العربيد السائح " ورجل المخابرات" ميليس" .

وقد كان لتعاطي براميرتز، بطريقة بعيدة عن الأستفزاز مع سوريا، نتائج إيجابية مباشرة على عمله. حيث وافق الرئيس بشار الأسد على مقابلته والتحدث إليه بصفته زائرا.

ولكن على الجميع في لبنان وسوريا، التنبه إلى أن براميرتز لم يخرق سقف التحرك المرسوم له من قبل الأميركيين. والدليل، هو حرصه خلال زياراته إلى نيويورك على إشراك " أرزة تل أبيب " جون بولتون، فيما توصل إليه من نتائج . وهو أمر لم يكرره براميرتز مع باقي أعضاء مجلس الأمن.

بما يعني أن القاضي الذي لم يشكك أحد بنزاهته حتى الآن ، يحرص على التواصل بطريقة غير قابلة للتبرير، مع طرف في القضية، وصاحب مصلحة، هو الإدارة الأميركية التي لا تخفي إستخدامها السياسي للجنة التحقيق في الضغط على سوريا .

وهذا الأمر مخالفة صريحة من قبل براميرتز لأستقلاله المطلوب والمفروض . فرب عمل لجنة التحقيق هو مجلس الأمن مجتمعا ممثلا بالقرار الدولي الذي يصدره . والذي يمثل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، الوسيط الشرعي بين السلطة القضائية الدولية والسلطة التنفيذية التي هي قرارات مجلس الأمن .

فهل يستطيع وزير العدل في بلجيكا، إستدعاء براميرتز أو غيره من قضاة بلاده، ليضعوه في أجواء عملهم، المفروض أنه سري ولا يصح أستشارة المتورطين أو المتهمين على مضمونه، بمن فيهم طرف يتهمه نصف الشعب اللبناني على ألأقل بالضلوع في الجريمة . أي الأدارة الأميركية

وهو طرف يمثل وفق علم الأجرام الأستقصائي، المستفيد الأول من موت الحريري بطريقة مآساوية ومحترفة. تثبت كل التحليلات، أن أدواتها التكنولوجية خارج نطاق القدرة السورية واللبنانية والروسية حتى .

هذا الواقع المعروف، يجعل من التقرير الذي ينتظر أن يرفعه براميرتز في العاشر من الشهر الحالي لأعضاء مجلس الأمن ، تقرير براميرتز - بولتون. والروح القدس وحده يعرف لمن كانت اليد الطولى فيه .

النقطة الثانية التي تظهر عدم إنعكاس النزاهة التي وصم بها القاضي البلجيكي الطموح على عمله ، هي تجاهله لضرورة إصدار مذكرات توقيف بحق من ضللوا التحقيق حتى الآن . بإعتراف براميرتز نفسه، الذي قال في تقريره السابق، أنه يعيد دراسة المعطيات من جديد!! .

أي أن كل الشهادات التي قدمت في السابق ، لم يتم الأعتماد عليها لفقدانها المصداقية الكافية، وإلا لكان أعتمدها.

ما يعني، أن توقيف الشاهد جرجورة في بيروت بتهمة تضليل التحقيق وأعترافه بأن الذي لقنه الشهادة المزورة هو مروان حمادة ومسؤل الأمن في تيار المستقبل الصحافي الأسود خشان ، يستدعي توقيف الأخيرين أو أستدعائهم بصفتهم متهمين على الأقل .

هذا الأعتراف وقبله أعتراف هسام هسام ، يستتبع حكما إجراء مماثلا بحق الشاهد الفرنسي الجنبلاطي ووزير "إعلام تيار الحريري" زهير "الصديق"، عبر إجبار السلطة الفرنسية بقوة القرار الدولي الناظم لعمل لجنة التحقيق الدولية على توقيفه إحتياطيا لصالح القضية. وبطلب من براميرتز نفسه، وهو ما لم يحصل .

الصيغة التي أدت إلى توقيف جرجورة والضباط الأربعة، لم يستخدمها السيد براميرتز النزيه في طلب توقيف أشهر مدبر شاهدي الزور ومصنع الفبركات الأعلامية، و التي كأنت تؤدي إلى وضع خريطة تحرك للتحقيق، زمن "ميليس" التي وصفها براميرتس " أنها غير ذات قيمة" أي أن أحد ما، ضلل التحقيق. وهذا "الأحد ما" معروف في لبنان، وفي نيويورك. وتجهيله هو تصرف يثير الشكوك في جدوى النزاهة، إن لم تؤدي إلا إحقاق الحق وتوقيف "حاخام بعقلين" و"بيريا" جريدة المستقبل .