خلال الاسابيع القليلة الماضية سجلت المواقف الاميركية والاوروبية المتحالفة مع واشنطن تراجعات ملحوظة في حدة الخطاب السياسي تجاه ايران فيما يتعلق بالملف النووي وبرزت مؤشرات الى تحولات في طريقة التعامل مع هذا الملف، وان تكن حذرة وتراوح حتى هذه اللحظة في بدايات الطريق التي لم تصبح ممهدة بالتمام لظهور مناخ جديد يغلب منطق السياسة العقلانية على منطق المغامرات السياسية والعسكرية. واذا كان صحيحا ودقيقا ما قاله المسؤول الاعلى عن السياسة الخارجية في االاتحاد الاوروبي «خافيير سولانا» ـ ومن المفترض ان يكون دقيقا ـ لجهة انه غادر طهران متفائلا بعد الزيارة التي قام بها مؤخرا.. فما هو مصدر هذا التفاؤل؟ هل هي تبدلات جوهرية في الموقف الايراني؟ ام هي تبدلات جوهرية في اسلوب التعامل الاميركي ـ الاوروبي مع الملف النووي الايراني ومع الملف الايراني عموما؟

ان العودة الى الوراء في تطورات هذا الملف تفتح الباب امام الجواب، وامام الاحتمالات المستقبلية القريبة، ففي بدايات التوتر الشديد استخدمت واشنطن لغة التهديد والوعيد والتلويح باستخدام القوة، وبفرض العقوبات، وتجاوزت احيانا عديدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضغطت على مجلس الامن، وعلى مفاوضات الترويكا الاوروبي (بريطانيا والمانيا وفرنسا) مع ايران. وبالمقابل لم تخضع ايران للغة القوة فأكملت برامجها، وحرصت على تكرار تأكيد الطابع السلمي، وعززت علاقاتها مع الصين وروسيا، وافادت كثيرا من الاوضاع العراقية، واتقنت استخدام القانون الدولي دفاعا عن حقها في امتلاك الطاقة النووية، ولم ترفض المفاوضات بل رفضت الشروط المسبقة، ولم تستخدم لهجة واحدة مع الاميركيين والاوروبيين بل ميزت بين كل منهم، ونجحت في خوض معركة سياسية ودبلوماسية وعلمية، وواصلت تحقيق حضورها حتى اعلنت في ابريل الماضي عن نجاحها في تجربة تخصيب اليورانيوم، واعقبت ذلك بتكرار مواقفها ولكن بلهجة متزنة واثقة.

وبين هذين الموقفين الاميركي الصاعد والايراني الثابت، ازداد تعقيد الملف النووي والملف الايراني كله، وكادت في بعض المحطات تلوح احتمالات المغامرة العسكرية غير ان الحسابات الاميركية الضمنية للكلفة العسكرية والاقتصادية والسياسية لمثل هذه المغامرة بعد تجربة العراق دفع الادارة الاميركية الى التراجع في هذه المرحلة عن الخيار العسكري، وما عزز هذا التراجع هو ان حلفاءه الاوروبيين الذين دفعوا ثمن الحرب على العراق قبلها ـ اي قبل الولايات المتحدة ـ لم يكونوا في موقع المتحمس للمغامرات العسكرية خوفا من اثمان باهظة جديدة. وعند هذا التقاطع الدقيق ظهرت المؤشرات عند الادارة الاميركية نحو العودة الى خيار المفاوضات، وتعززت القناعات الاوروبية بضرورة العمل على تسوية مع ايران. وهكذا فان تفاؤل «سولانا» نابع من معرفته بتطورات المواقف لاميركية والاوروبية، وهو اذ قدم عرضا يشكل «اساسا لمفاوضات لاحقة»، بحسب تعبيره، فانما يعرف ان الايرانيين سيدرسون هذا العرض من زاوية ما اذا كان يمكنهم من استكمال التخصيب على اراضيهم ولو تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويبدو ان التقاطع الاميركي ـ الاوروبي في هذه المرحلة لا يمانع في الوصول الى هذه النتيجة في اطار مفاوضات محتملة ستتجاوز المباحثات فيها الملف النووي الى كل الملفات الساخنة في المنطقة.. وازاء ذلك لا غرابة في القول، ان الاوضاع المستقبلية في المنطقة على المدى المنظور ستكون محكومة سلبا او ايجابا بما سينتهي اليه التحرك الجديد بين الغرب وايران.