ليست جامعة البعث، كما قد يعتقد غير السوريين، جامعة سياسية عقائدية متخصصة. إنها مؤسسة تعليمية أكاديمية تحتوي، كأي جامعة أخرى، الكثير من الاختصاصات الأدبية والعلمية، واسمها الذي يمكن أن يسبب هكذا التباس أيضاً لايختلف في شيء عن معظم أسماء المؤسسات والمنظمات والمنشآت التي أخذت أو بدلت أسماءها في بلد يوصف بكامله أنه دولة البعث.

" يامن حسين " ليس سياسياً معارضاً. وليس عميلاً وبحدود معلوماتي لايقبض من أي سفارة، ولم يكن في نيته يوماً أن يوهن شعور الأمة، أويهدد كيان الدولة الاجتماعي، كما وأعتقد أنه لايفكر في سلخ جزء منها. هو فقط طالب شاب رأى الملك عارياً فصاح مستنكراً: إنك عار يا جلالة الملك.. هكذا قفز من بين الجمهور الصامت وقالها أمام المجاميع البشرية التي تواطأت جميعها وعبر عقود على الباطنية الاجتماعية والثقافية، ومن باب أولى، السياسية.. واتفقت أنه لا يوجد في بلادنا ما يؤرق النوم الهانئ لوحدتنا الوطنية.

هل تذكرون يامن حسين؟ إنه الولد السوري الجميل الذي كتب مقالته " إذا كنت بوذياً فلا تقترب من جامعة البعث " المنشورة على موقع مرآة سوريا طيَّب الله ثراه، في مقالته تلك تناول يامن بأسلوب نقدي ساخر وجذاب المظاهر والإشارات والرموز الطائفية المنتشرة بين زملائه الطلاب، هو لم يخترع أي شيء ولم يلهب خياله. إنما فقط أشار لما رآه ويراه الجميع. ولأنه كتب عن طلاب جامعة البعث، وهو أحد طلابها، فل تبقَ هيئة أو منظمة تمت للبعث بصلة إلا واستدعته.. وكيل جامعة البعث طمأنه قبل الاستجواب بأنه الجامعة ليست فرعاً للأمن وطلب منه أن يتحدث عن المقالة والدوافع الكامنة وراء كتابتها.. مسؤول نقابة معلمي البعث سأله: هل أنت مريض نفسياً؟ وأعتقد أن هذا السؤال هو الأهم والأذكي ليس بمواجهة يامن حسين فقط بل بمواجهة أي أحمق يعتقد أن الملك عارٍ. أخيراً استدعاه أحد فروع الأمن وحقق معه باللطف المعهود عن علاقاته وأصدقائه وانشغال خط هاتفه لفترات طويلة، ثم دعاه بكل تهذيب للتوقيع على تعهد بألا يعود لنشر أية مقالة على الأنترنت.

أم يامن حسين كأي أم من سوريا، أخذت هي الأخرى تعهداً شفهياً من ابنها بألا يعود لمثل هذه الأفعال، خوفاً عليه وعلى إخوته، آخذة بعين الاعتبار أنهم جميعاً ينعمون بالعيش في دولة البعث. كان لهذه القصة أن تنتهي هنا لولا أننا، نحن السوريون في دولة البعث، لانفضل مثل هذه النهايات الرومانسية الباهتة للقصص.

ذهب يامن حسين ليقدم مادته الأولى لامتحانات نهاية العام الدراسي، الذي علينا الاعتراف أنه لم يكن جميلاً ليامن كما تعودنا أن نكتب في مواضيع التعبير المدرسية. يامن الطالب في السنة الثانية في كلية العلوم في جامعة البعث وبدلاً من أن يجد اسمه ورقمه في لوائح الامتحانات وجد أن الجامعة قد أفردت له مكاناً خاصاً في قرار عُلق في بهو الكلية يفيد بحرمانه من تقديم الامتحانات بسبب إساءته لسمعة جامعة البعث، " هل تذكرون تهمة مشابهة تتعلق بالمس بهيبة الدولة ". وجامعة البعث كغيرها من مؤسسات الدولة لها هيبتها وهي فوق الشبهات من مثل السرقات والرشاوى وبيع أسئلة الامتحانات وتسعيرة كل دكتور وغيرها الكثير من هذه الممارسات الفولكلورية المعتادة.

يامن حسن تأمل بالقرار ملياً.. دخن سيجارته "الحمراء" ثم عاد إلى البيت وشرب كأس المتة وشوهد يكتب بضع كلمات لن ينشرها... أم يامن حسين، كحال أي أم من سوريا، ودونما أي صوت بكت. " انتهت القصة؟ "